بقلم:إبراهيم السنوسي إمنينه
.... ومن
ثم فمن حقنا إزاء ما تعمد إخفاءه في
الطبعة الأولى أن نقول عن هذه الطبعة أنها كتبت
" للمغيبين " ،
وللرعايا " المتخلفين " ، المحظور عليهم المعرفة ..أو النقد ، أما
الطبعة " الإفرنجية " فكتبت " للمتقدمين " الذين يعرفون ،
والذين يحترمهم الناشر فلا يسمح بإدخال الغفلة عليهم بالقصص التافهة المفضوحة
التلفيق (وهم الفرنجة) . لقد ظن هيكل أن
أحداً لن يهتم لمراجعة النسختين وكشف ما بهما من تناقض : فقرّاؤه إما جاهل يكتفي
بترديد شعارات الإعجاب والموافقة أو مهاتر يهاجمه بلا سند أو دراسة .. أو لعله
إطمئن إلى حالة الكسل العقلي والجمود الفكري الذي سيطر على المثقفين العرب مما جعل
مثله يتصدر .. ونسي أن هناك من الكتاب الشرفاء والشغوفين من المدرسة القديمة جداً
ممن يعشقون ويحترمون شرف الكلمة ، وممن لا يتصيدون ولا يتصدرون لأمر دون قتله دراسة
ومراجعة ، ومهما كانت كتاباته كريهة على نفس أمثال هؤلاء الشرفاء ، فلا يجوز نقدهم
لتلك الكتابات قبل قراءة واعية ومدققة لها ...وهكذا شاء حظه أن تُقرأ له تلك الكتب
الثلاثة ليتضح عبث هيكل الذي نحن بصدده ومنذ البداية لوحظ الخلاف بين أسباب إقدامه
على التأليف ، ففي طبعة " المتخلفين " نجد حديثه يطرب له هؤلاء "
المنبهرون " وتتغنى به جوقة الناصريين ، فهو يحدثنا عن حشد من الناشرين من
شتى الأجناس . مما يذكّرنا بـ(أصداء عالمية واسعة لخطاب قائد الثورة) يحدثنا عن
تجمع ناشريه من الإنجليز والفرنساويين
والأمريكان والألمان واليابان يطالبونه بأن " يخرج " للناس كتاباً عن
السويس (لا يضلّون بعده) والمضحك أن ناشريه يكررّون نفس الحكاية مرة كل عشر سنوات
، فقد روى نفس القصة في مقدمة كتابه عن (قصة السويس) ، ونفس الحشد من الناشرين
يعاتبونه لأن الذكرى العشرين للسويس ستمر وهو لا يكتب عنها ، وتمر عشر سنوات أخرى
لا هو يتذكر ولا الناشرون ينسون بل يأتون بجمعهم مرة أخرى ويصرخون : " كيف
تمر الذكرى الثلاثون ... وأنت ....إلخ "
أما في الكتب
المنشورة بلغة هؤلاء الناشرين الأجانب ، فقد رأى أنه لا يستحسن الكذب عليهم بمثل
ما يقال " للعرب " ، وهكذا إختفت تماماً حكاية الناشرين الذين نبهوه
للعيد الثلاثين للسويس ، الذي كان قد نسيه ، مثلما يفعل الزوج غير الوفي ... عندما
ينسى عيد ميلاد زوجته ...!
وفي الطبعة
الإنجليزية نجد حكاية أخرى تماماً ، فهو الذي تذكّر وهو يسأل نفسه ويجيب : ( لماذا
يكتب كتاباً عن السويس بعد مرور كل هذا الوقت ؟ ويجيب : لأن كل ما كتب كان من وجهة النظر الغربية ...ولكن الجانب المصري
من الحكاية لم يوثق ...! )
هنا في بلاد
العرب لماذا لا يكتب وهناك في بلاد الأفرنجة لماذا يكتب ؟
وحتى هذه كذبة
!! لأننا نعرف أنه سبق ونشر كتاباً – منذ سنوات عديدة بإسم ( قصة السويس ) راج
وذاع على حد قوله – حتى طبع في سبع لغات ! وعندما نوقش ذلك الكتاب وفُـنّد ما جاء
فيه من قبل مؤلف كتاب " كلمتي للمغفلين " المرحوم الأستاذ/ محمد جلال
كشك ، إنكشف كذب هيكل وتعوّده أن يفعل الشيء أكثر من مرة ، ويفتخر أو يعتذر بأنها
أول مرة ، وقلنا ، والكلام للمرحوم كشك ، أنه ربما بعدما فندنا كتابه هذا وعرّيناه
تبرأ منه فعل السوء وأنسلخ عن هذه العادة السيئة – عادة الكذب والنسيان .
ويستطرد محمد
جلال كشك قائلاً : (إقتباس) دعونا ننتقل إلى ما هو أهم وأخطر بل إلى ما نعتبره فصل
الخطاب ، وفعلته التي قطعت قول كل خطيب ، ولولا أن بني إسرائيل لا يؤمنون بآية
واحدة ، لكان في تلك ما يكفينا ويعيننا عن تأليف كتاب ، ذلك أن الناشر الأفرنجي أو
المؤلف أو هما معاً ، لخصّا مغزى وأهمية رواية هيكل لحرب السويس أو بمعنى أصح قصة
الناصرية من 1952 م إلى 1956 م في هذه السطور ( إن إتاحة أوراق عبد الناصر الخاصة
لهيكل وكذلك الأرشيف المصري الرسمي ، مكّنه من دعم ذكرياته بالعديد من الوثائق ،
ولكن الأهمية الحقيقية لهذا الكتاب " قصة السويس " الذي نحن بصدده في
هذه الجزئية تكمن في أنه لأول مرة يمكنّنا من رصد أحداث معروفة في ضوء جديد تماماً
، فهي ليست مجرد كارثة نهاية إمبراطورية ، ولكن كفصل من العملية التي حاولت
بها الولايات المتحدة إستبدال الإستعمار القديم (يعني البريطاني) بنوع جديد من
الهيمنة ، وهي " ليست مجرد حدث تطويه كتب التاريخ بل فصل في دراما ما زالت
تجري أحداثها " .
ولأن المصداقية
إنعدمت بكتابات أمثاله (أي هيكل) فأننا نثبت (والكلام لا يزال للأستاذ كشك) بالنص
الإنجليزي حرفياً كما جاء على غلاف كتاب قصة السويس –الطبعة الإنجليزية :-
" Not simply as a
disastrous epilogue to Empire, but as one stage in the process by which the
United States sought to supplant the old Imperialism with a new form of
hegemony not as an episode that can safely be consigned to the history books ,
but as one act in a drama that is still played "
وترجمة هذه
الفقرة قد وردت أعلاه بالنص العربي بالحبر الأسود الداكن وتحتها خط يميزها .
" إنتهى الإقتباس " .
نفهم من هذا
أنه حسب ما ذهب إليه الفرنجه بما فيهم الأمريكان والناشر والمؤلف هيكل بعد الإطلاع
على العديد من الوثائق والأرشيف الذي أتيح لهيكل أن : الناصرية ليست إلا
فصلاً من قصة إحلال أمريكا سيطرتها وهيمنتها محل الإستعمار البريطاني القديم ، أي
أن الناصرية كانت الأداة المباشرة للمخطط الأمريكي ، وأنها أي الناصرية كانت فصلاً
لملحمة الولوج الأمريكي إلى المنطقة وأن الناصرية ما هي إلا إقرار للتناقص
الأمريكي البريطاني وأداة أمريكا في الحلول محل بريطانيا في المنطقة .
؛؛؛؛؛ وإلى
اللقاء في الحلقة القادمة* هذه الحلقة كتبت في 18 ديسمبر 2011 ونشرت بتصرف في العنوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق