طالبان قادمون ...
والفتنة تدق الأبواب
فإنتبهوا وأقرؤا
التاريخ
بقلم : إبراهيم السنوسي إمنينة
الحلقة الثالثة :
كتبنا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع عن إنحسار الدولة الإسلامية
وتراجعها وتوقف الفتوحات والغزوات ، وفي هذه الحلقة نحاول التحري عن الأسباب التي
أدّت بالدولة الإسلامية في العهد الأموي إلى ذلك التراجع . ومهما قيل في هذه
الأسباب فلا نكران أنها كانت أول دولة عالمية للإسلام والتي هي ، أي الدولة
الأموية التي نشرته في هذه الرقعة الواسعة من العالم والتي تمتد من ساحل البحر
الأطلسي إلى حدود الهند والصين ومن البحر الأسود وبحر الخرز (قزوين) Black Sea & Caspian Sea إلى المحيط
الهندي Indian Ocean ، وأنها كانت أقوى عهود الدولة الإسلامية وكان
عصرها بفضل العرب المسلمين ، أكثر العصور الإسلامية قدرة على الجهاد ، وأشدّها
نشاطاً وحيوية ، وفي عهدها تلاقى العرب في البلاد المفتوحة ، مع شعوب أخرى كانت
تتقدمهم في الحضارة وتفوقهم في المعرفة ، فتأثروا بثقافاتهم وتقاليدهم ونظمهم ، واستطاعوا
أن يتمثلوها بل ويضيفوا إليها روحاً إسلامية ، بل وتأثر شِعرهم بعد أن رقّت
مشاعرهم وذلك بإنتقالهم من صحارى رملية وبوادي وفلوات مقفرة ، إلى بلاد سماواتهم
زرقاء ، وأراضيها خضراء تجري فيها الأنهار وتفيض بالخيرات فانطلق، أي شِعرهُم ،
رائقاً رقيقاً رقّة الحضارة وجزلاً جزالة البداوة . كذلك لم تكن الفتوحات الواسعة
والثورات وحركات التمّرد التي كانت تستعر خلالها لتعترض نشاط الحياة بجميع أطيافها
من اجتماعية وأدبية وثقافية وعلمية وعقلية واقتصادية وزراعية وعمرانية . عقدت مجالس
الأدب والشعر والغناء، وقام العلماء بتدوين الحديث والتفسير والمغازي والأخبار،
واتّسمت الحياة والمجالس الثقافية بإثراء ونمو الفقه واستيعاب تطبيقاته لحاجات
الحياة المتطورة، بما يتلاءم مع الأعراف المستقرة في البلاد المفتوحة، كما إتسمت
الحياة الثقافية بدراسة المذاهب الفلسفية واللاهوتيه ومناظرة أصحابها مما أدّى إلى
نشوء مدارس فكرية اسلامية ومن أهمها مدرسة (المعتزلة) التي تأثرت بتلك المذاهب،
لاسيما فيما يتعلق (بحرية الإرادة) ، وكذلك بالأخذ بعلوم اليونان في الطب
والكيمياء، وكان خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أول من اهتم بنقل تلك العلوم
إلى العربية، وان كان يؤخذ على دولة بني أميّة الظلم والجور فلعل ذلك ما كانت
تقتضيه سياسة "المُلكْ" وتفرضه مصلحة الدولة في الظروف الحرجة لاسيّما
إذا كان الخارجون عليها والعابثون بأمنها من الأشدّاء في نضالهم والمتعصبين
لعقائدهم، فالدولة لا تستقر إلاّ بهم، فهو العنصر الأساسي لازدهارها في جميع أنواع
الحياة . وقد رأينا أن الثورات والفتن قد أحاطت بدولة بني أمية واندلعت
في عدة جبهات، وخاصة في العراق، فقد جمع هذا القطر لسوء حظّه جميع
الناقمين السابقين على عثمان ثم أضحى مقراً لشيعة علي وأبنائه من بعده وفيه ظهر
الخوارج، وفيه اجتمعت فئات من أهل التقوى والورع، ولا يتّفق مع أوامر الله، ومن
هؤلاء حفظة القرآن (المعروفون بالقرّاء) والفقهاء وحفاّظ الحديث، وكان أشدّهم
صلابة وتمسّكاً الخوارج، وقد استخدم القائم بشئون الخلافة عندئذ، وهو معاوية بن
أبي سفيان، استخدم المال في شراء القلوب أو الذمم (تماماً مثلما فعل الطاغية
الباطش إذ أرسل أحد مستشاريه ووزرائه خلال شهر فبراير 2011م لشراء بعض الذمم ورشاء
بعض الشيوخ في إحدي المدن الليبية المعروفة – لكن خيّب الله ظنّه، ورجع مندوبه المستشار يجرجر
ذيل الخيبة ويتصبّب جبينه عرقاً ) .
وحاول معاوية بذلك (بخبثه ودهاءه) جعل الحلم والسماحة من أسباب
المودّة ونزع الأحقاد، واستعمل القوة والبطش حين لم ينفع المال ويفشل الحلم في
أداء المهمّة، واصطنع لذلك الأيدي الحديدية لقرع رءوس المعاندين (سبحان الله
فَخُطّة الرشوة والقمع ثم الاحتواء والسرقة في مراحلها ( أ ) و( ب ) و( ج ) والتي حاول تطبيقها الطاغية المقبور
في عام 2011م
الموافق 1432ﻫ ،
فشلت بأركانها الثلاثة في نفس العام، غير أنها أي الخطة ( أ ) و( ب ) التي بدأ تطبيقها معاوية حوالي سنة 58ﻫ الموافق 678 م، قد نجحت بركنيها ( أ ) و( ب ) دون الحاجة لتطبيق
الخيار"ج"، إذ كان قد طبقها بسرقتها أو احتوائها وذلك في العام 41ﻫ الموافق 662م . الذي اغتال فيه الحسن السبط وسرق
الخلافة منه بعد اتفاق البيعة "الخديعة" واتفاق معاوية مع "جعدة
بنت الأشعث" زوجة الحسن السبط – سرّاً في نفس تاريخ البيعة على تسميم زوجها
في مقابل تزويجها من ابنه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بالإضافة إلى مبلغ وقدره
مائة ألف درهم .
بعد أن أنجزت "جعدة" ما تعاهدت به مع معاوية ، اتصلت
بمعاوية مطالبة إياه بانجازه ما وعد، فأرسل المبلغ المتفق عليه، ومعه كتاب يقول
"إنا نُحبُّ يزيداً ولولاك لوفّينا بتزويجك منه" .
وبالمناسبة فان بعض المؤرخين يشير في مضمون حديث رواه لأصحاب السُنن
عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
" الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم مُلكٌ بعد ذلك عضود " .
والثلاثون سنة بالترتيب : سنتان من خلافة أبي بكر الصديق، وأحد عشر
سنة خلافة عمر بن الخطاب، وثلاثة عشر سنة خلافة عثمان بن عفان، وأربع سنوات خلافة
علي بن أبي طالب . وبذلك يكون مجموع هذه السنين ثلاثين سنة ومضمون الحديث هنا أن
معاوية بن أبي سفيان لم يكن ضمن الخلفاء الراشدين الأربعة وإنما كان مَلِكَ مُلْكٍ
أُغتُصِبْ ولا شرعية له . والإسناد هنا إلى الجامع للأصول في حديث الرسول ج 3 ص 41 ومآثر الأناقة في معالم الخلافة ج1 ص 108 .
أما المراجع فيما تقدم فهي :- تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 192- مروج الذهب ج 2-427-
أُسْد الغابة ج-2-ص 426 ابن الأثير ج-2 ص 402- الطبري ج-5 ص 158 .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق