اللامركزية الإدارية الموسعة في ليبيا
وسيلة لتحقيق العدالة وبناء الديمقراطية
أ.د.عبدالقادر عبدالله قدورة
أستاذ القانون الدستوري – بنغازي
( الجزء الثاني )لتحقيق اللامركزية الإدارية و هو نظام قائم على إعطاء صلاحيات واسعة للأقاليم أو المحافظات يجب أن تتوفر ثلاث شروط في أي نظام إداري حتى يمكن اعتباره نظام اللامركزية و في حالة غياب هذه الشروط أو أحد منها فنحن في مواجهة نظام آخر مهما قيل عنه أنه لامركزي و هذه الشروط التي يجب أن تتوفر في النظام اللامركزية الإدارية :-
1- و هو مهم للغاية و أساس و هو الاعتراف للإقليم أو المحافظة بالشخصية القانونية المستقلة و هذا يترتب عليه استقلال مالي و إداري في شئونها و هذا يعني أن هناك مصالح تمثلها الدولة و شخصيتها القانونية و لكن يجب الاعتراف أن هناك مصالح محلية أو إقليمية و هي تتعلق بمجموعة من الناس يسكنون هذا الإقليم و بالتالي فإن الإقليم يمكن على سبيل المثال أن يملك الحق في تنظيم التجارة في داخله و كذلك المهن التجارية و غيرها من الأمور .
و نظراً كما رأينا لغياب الاستقلال في الشخصية القانونية للمحافظة فإن نظام المحافظات الذي كان سائد في ذلك الوقت لم يكن بالإمكان إعطائه صفة اللامركزية الإدارية.
2- و هو أمر أساسي أيضاً ، و هو أنه في اللامركزية الإدارية الحقيقية هناك استقلال أيضاً للسلطات المحلية عن تلك الموجودة في الدولة و السلطة المركزية و يكون ذلك عن طريق أن قيادات الإقليم أو المحافظة يجب انتخابها من الناس و بالتالي لا تملك السلطة المركزية في العاصمة استبدالها يمكن لها حلها و لكن عليها الدعوة لانتخابات جديدة لانتخاب سلطة جديدة في الإقليم أو المحافظة.
3- و أخيراً و حتى تكون هناك لامركزية إدارية حقيقية يجب أن تكون لها مجموعة من الاختصاصات الهامة و لها سلطة اتخاذ القرار حيالها دون الرجوع إلى أي جهة ثانية و بالتالي فمن الطبيعي أن السلطة التي تم انتخابها في المحافظة أو الإقليم تملك سلطة اتخاذ القرار و هذا بطبيعة الحال يتطلب الاستقلال المالي أيضاً للإقليم أو المحافظة عن طريق موارد خاصة بها أو موارد تخصصها الحكومة المركزية لها من العاصمة.
إن اللامركزية الحقيقية هي توجد في النظام الليبرالي الذي يحترم الحريات و الحقوق الأساسية للناس مهما اختلفت إنتمائتهم أما النظام الاستبدادي الدكتاتوري فهو يميل إلى المركزية.
إن اللامركزية الإدارية الحقيقية هي مرتبطة إذن بالنظام الديمقراطي حيث كل منهما قائم على نظام الانتخابات لاختيار من يمارس السلطة بالإضافة إلى أن اللامركزية تعطي الفرصة لكل الناس في مختلف الأقاليم أو المحافظات لممارسة حقوقهم الطبيعية في الديمقراطية و تعميم هذه الفكرة و تقريبها من الناس مهما اختلفت مستوياتهم الاجتماعية و الثقافية .
اليوم و بعد ثورة 17 فبراير و بعد مرور حوالي 8 أشهر بلادنا في مفترق طرق و هو مفترق يجب حسن اختيار في أي اتجاه سوف نسير و نبني بلادنا ليبيا المستقبل بلاد للخير و الرفاهية و السلام لأهلها و لمن حولها و للعالم كله ، و هذه الأمور يجب أن نتشاور فيها و يسمع كل منا الآخر و اعتقد أن أخطر ما يواجهنا في هذه الأيام هي تركة الطاغية و هي تركة تركها و زرعها في البلاد و العباد و تحتوي في رأي على أمرين خطيرين :-
1- لقد زرع في عقول الناس و للأسف هذه النعرة القبلية و الإقليمية الرهيبة التي رأيت الكثير من الناس الذين لم أعرف عنهم التعصب القبلي و الإقليمي ربما بسبب النفاق رأيتهم في صورة جديدة و مظهر آخر ، حركتهم تلك القوة الباغية الساكنة تحت الرماد فتحولوا إلى براميل مليئة بالحقد و البغض لكل الناس و تزداد الدرجة عند أولئك الذين فقدوا الاسم أو المكانة أو ربما التسهيلات بمختلف أنواعها و لم أشعر بالخوف على مستقبل بلادي أكثر من خوفي اليوم.
2- لقد تم بناء البلاد خلال ال40 سنة الماضية على عدم التوازن في كل شيء بين مناطق البلاد المختلفة الأمر الذي أدى إلى تفاقم في عدد السكان في مكان دون آخر ، فازدحام بعض المدن في بلادنا ليس لتطور صناعي بل لتمركز القرار و العمل و المال فيها لا أكثر و لا أقل ، و ترتب على هذا التمركز المالي و الإداري و الحكومي في هذه المدينة أو تلك التي يمكن للمواطن الحصول فيها و منها على كل شيء العمل و الدراسة في الخارج أو العمل في السفارات أو الاتصال بالشركات أو العمل في قطاعات النفط و الاستثمار الخارجي و يزداد الحظ عندما يحمل هذا المواطن اسم أو ينتمي إلى تلك القبيلة أو تلك ، و أتذكر جيداً مع الألم الشديد ابن جاري في السكن في بنغازي الذي مات لأنه سقط أثناء العمل في محجر في مالطا، و هكذا تم التفريق بين الناس بين المحظوظين من السلطة و بين من يذهب يبحث عن عمل في محاجر مالطا.
هاتين النقطتين التعصب القبلي و الشعور بالظلم هما مكامن الخطر على مستقبل بلادنا و الوطن و يجب أن نعمل للتقليل منها و ذلك في حاجة إلى وقت للقضاء عليها نهائياً و يتم ذلك بالتأكيد بالتوزيع العادل للثروة و محاربة مركزية القرار و قبله إعطاء فرص العمل و التي لم نسمع عليها بعد ، لقد سمعت عن لجنة استقرار قطر بالصدفة و لم أكن أعرف عنها شيء كنت أتمنى أن تكون هناك شفافية لمثل هذه اللجان ليستفيد منها الشباب الليبي كله حسب كفاءته كما جرى الحديث عنها في بلادنا حيث يعرف الجميع أن نظام التقييم فيها غير موجود خاصة كم كان يحصل التزوير في الدرجات عن قصد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى يتمكن هؤلاء من السفر إلى الخارج لعمل رسائل الماجستير و الدكتوراه على حساب الدولة و يعودون بروفسورات في الوطن و لذلك قبل الحديث عن الكفاءات بدرجة كاملة علينا أن نبحث في إعادة تقييم الكفاءات الموجودة.
أن التعصب القبلي و التمركز الحكومي خلال 40 سنة ساهم في صنع نظام الطاغية و لكن بالتأكيد ساهم فيه و لو بالسكوت عنه و لكن بالتأكيد الاستفادة منه الكثير من الناس الذي عملوا مع النظام و هنا يجب ألا نترك الأمور تسير و إلا فهناك خطر بأن تعود لنا السنوات الأربعين الماضية من جديد و لكن بوجوه جديدة و ربما بكلام جديد عن أفكاره القديمة .
إن و ضع دستور جديد و دائم من أهم الأعمال ، و لقد صدر عن المجلس الانتقالي إعلان دستوري تحدث عن المستقبل في مادة واحدة هي رقم (30) و لقد حاولت أن أعرف من صاغ هذه المادة و بهذا الشكل المخيف فالكل تبرأ منها و ذكر الكثير بأنها أضيفت و لم نعرف عنها شيء قبل صدور الإعلان الدستوري و هذا في الحقيقة أمر مخيف كيف تشكل لجان ثم يقول أعضائها أن النص الذي صدر ليس هو النص الذي قدم من هذه اللجنة ، من هي هذه القوة الخفية التي تملك تغيير الأمور صحيح أنها طريقة يعرفها الليبيون و لكن اعتقدنا أنها انتهت مع سقوط الطاغية ، في هذه المادة 30 أشياء كثيرة هناك إجماع من القانونيين كلهم على نقدها و لكن لا أحد يتحدث من المجلس عن ردود الفعل هذه و لا يعير لها أي اهتمام أنها عقلية الأربعين سنة الماضية عقلية الغطرسة دون محتوى و الإقصاء و الاعتقاد المفرط في الذات و قدراتها و مع ذلك فإنني لا أخاطب بما أكتب إلا الشعب الليبي أولاً و أخاطب التاريخ ليكون شاهد أما الآخرون فلا شأن لنا بهم.
لقد تحدث الإعلان عن انتخاب مؤتمر وطني عام و هنا أيضاً كم أتمنى أن نعرف من وضع هذه المادة هنا أتذكر أن فكرة المؤتمر الوطني تم إدخالها في مؤتمر إسطنبول لمجموعة الاتصال لأول مرة و كان من الأسهل أن يسمى بالجمعية التأسيسية و هذا ما نريده، و لهذا فأنا أخشى بأن يكون وجود هذا المؤتمر وسيلة للوصاية على اللجنة الدستورية التي سيقوم هذا المؤتمر باختيارها و لم يحدد أن يتم الاختيار من بين أعضائه أم من خارجه. و لكن المشكلة التي سيواجهها هؤلاء الناس هي في طريقة انتخابه و لهذا أحالوا هذه الأمور على قانون خاص للانتخاب و هنا أيضاً بالتأكيد ستظهر القدرات القانونية الخاصة لوضع هذا القانون.
إذن الخطوة الأولى المتعارف عليها لوضع الدساتير و هي انتخاب جمعية تأسيسية و لكن تم القفز عليها بانتخاب مؤتمر سوف يختار اللجنة التي تضع الدستور الدائم بقى كيف يتم الانتخاب و هنا علينا أن نكون على درجة من اليقظة عندما يصدر هذا القانون.
اعتقد أن العمل الرئيسي و الهام هو ضرورة الرجوع إلى القانون لسنة 1964 و خاصة في حدوده الجغرافية الإدارية و استخدامه كأساس لإجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام و لماذا العودة إلى هذا القانون فهناك الكثير من الانتقادات له و لكن مع اعترافي بهذه الاعتراضات إلا أنني أفضل في الوقت الحاضر الرجوع إلى هذا القانون للأسباب التالية :-
1- لأنه قانون شرعي ، بمعنى أنه صدر من سلطة شرعية وفق دستور و نظام شرعيين ، فقد صدر هذا القانون وفق دستور 1951 و من هيئة برلمانية منتخبة و قد وقع عليه و أصدره بمرسوم ملك البلاد في ذلك الوقت فالعودة إلى الشرعية تقتضي أن نبحث عن كل ما هو شرعي و نسقط فترة الطاغية من مسيرة بلادنا و كأنها لم تكن أبداً.
2- لقد سقط الطاغية و لكن 42 عاماً تركت آثار حروق و جراح قاسية و شديدة الخطورة و أهمها أنه زرع في عقول الكثير من الناس و كما سبق و قلنا التعصب القبلي و الإقليمي و بالتالي إذا فتحنا موضوع إعادة تقسيم البلاد إدارياً من جديد فإن ذلك سيكون خطراً على بلادنا حيث أن كل قبيلة و كل مدينة تريد لنفسها مثل الأخرى لا لشيء إلا للتعصب الأعمى المتخلف الذي زرعه نظام التخلف في عقول الناس و لذلك و لقفل أبواب الشر و الفتنة نعود إلى هذا القانون لسنة 1964 وهو قانون يقسم البلاد إلى عشر محافظات منظمة و قد أخذ هذا القانون في الاعتبار كل ما يمكن أن يثيرمن التساؤلات و يلبي في الواقع كل المطالب بشرط أن يتم فهمه بطريقة صحيحة و بحسن نية و حرص على المصلحة الوطنية العليا.
3- أما من حيث التقسيم نفسه إلى عشر محافظات فقد تم وفق دراسات اقتصادية و اجتماعية غير عادية و رؤية للمستقبل بشكل رائع للغاية و اعتقد انه في عام 1971 عندما بدأ الخليجيون يفكرون في بناء دولة الإمارات أعتقد جازماً أن هذا القانون كان أمامهم ، فالقانون يقسم البلاد إلى عشر محافظات جعل من كل محافظة دولة بذاتها و سخر لها كل الإمكانيات و بالتالي فهي شاسعة في المساحة كبيرة في المصادر و الإمكانيات و احتمالات العثور على مصادر الثروة فيها ، و نأخذ مثال على ذلك. محافظة درنة ، تبدأ من منطقة مطار لبرق و القبة في الغرب و تنتهي في الحدود المصرية في الشرق منطقة شاسعة و هي محافظة و تتكون من تقسيمات أخرى داخلها فالمحافظة درنة هي أسم للمنطقة و المحافظة أما من الداخل فهي في ذلك الوقت تتكون من متصرفيات درنة و طبرق و ربما تضاف إليها القبة و ربما غيرها و هي تقسيمات داخل محافظة متساوية في الحقوق و الواجبات تجمعها المحافظة التي على رأسها المحافظ و كذلك محافظة بنغازي حيث متصرفيات بنغازي إجدابيا و الكفرة و ربما نضيف غيرها و هذه كلها أيضاً متساوية و يتم تقسيم الموارد بينها بالتساوي داخل المحافظة و سأعود إلى هذا الحديث لاحقاً.
يتبع في الحلقة الثالثة.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق