السبت، أغسطس 27

متابعات صحفية - الاهرام

نشرت صحيفة الاهرام المصرية  بتاريخ اليوم السبت 27 /8/2011
محمد عيسي الشرقاويحكاية سياسية

هذا الطاغية
فوق شجرة القرود

بقلم: محمد عيسي الشرقاوي
 

كلما علا القرد فوق الشجرة‏,‏ تفنن في ألاعيبه‏..‏ ملاحظة جد مثيرة لعالم بريطاني شهير هو جوليان هكسلي‏..
ــ والأكثر إثارة أنها تنطبق تمام الانطباق علي الطغاة, فكلما صعدوا إلي قمة السلطة, تفننوا في استبدادهم.
ويجسد القذافي بامتياز الطاغية الذي تفنن في ألاعيبه واستبداده, فقد تصور في وهج هذيان عقله, أنه اختزل الشعب في ذاته, ولم يكن غريبا أن الدهشة ألمت به عندما دعا ثوار71 فبراير1102 لاسقاط نظامه ورحيله. وكان رد فعله... من أنتم؟ ينطوي علي نفي مطلق للشعب.
فقد تصور القذافي في لحظة المواجهة الحاسمة لا أحد يمكنه أن يثور عليه إلا الجرذان.. ذلك أن سنوات حكمه المعتمة كانت تعني موت السياسة واقصاء الشعب في متاهات الصحراء والزج بالمعارضين في غيابات السجون..
ولا بأس من قتلهم, مثلما حدث عام6991 في سجن أبو سليم.
وأغلب الظن أن القذافي في متاهته الأخيرة, كان لايزال في أوج هذيانه وجنون عظمته, ولم يدرك أن الشعب الليبي استجمع أطراف بسالته وحررها من قبو القهر.
وليس أدل علي غيبوبة القذافي عن واقع الثورة من أنه كان يتأهب للاحتفال بالذكري البائسة لاقتناصه السلطة في أول سبتمبر9691, بينما كان الثوار يقتحمون أبواب طرابلس, ويتجهون نحو معقله الأخير في باب العزيزية.
لقد فعلها الثوار وحرروا ليبيا في الذكري الثانية والأربعين لاغتصاب القذافي للسلطة, وبات السؤال من أنت؟ أيها الطاغية الملطخة يداك بدماء الشعب.
>>>
الطاغية عندما صعد إلي قمة السلطة, صورت له ضلالات عقله أن يعيد صياغة الدنيا, ونصب نفسه علي عرش الحكمة والفلسفة, وطرح الكتاب الأخضر بقصد تأسيس عالم وهمي يتواري فيه المفكرون والفلاسفة من سقراط وأفلاطون, وحتي آدم سميث وكارل ماركس, ومن جرؤ منهم علي تحدي أفكاره الخرقاء, فلن يتردد في اعتقالهم وتحديد إقامتهم.
المصيبة الكبري أنه في ظل الانحطاط الثقافي هرول نفر من الكتاب إلي خيمة القذافي, وتهافتوا, في مشهد مشين, في مديح عبقريته, وبايعوه مفكرا وحكيما.
وعندئذ طاب للطاغية أن يتفنن في المزيد من ألاعيبه, وطرح في الاسواق مجموعة قصصية سماها القرية القرية.. الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء وهرول الكتاب والنقاد علي خيمة الفيلسوف والأديب.. وأفرطوا في مدح إبداعه غير المسبوق, ونشروا في ليبيا عام9002 ما قالوه في مجلدات بعنوان دراسات وأبحاث في أدب معمر القذافي.
>>>
الطاغية الذي نصب نفسه فيلسوفا وحكيما وأديبا مبدعا تفنن في ألعوبة أخري, وخلع علي نفسه لقب ملك الملوك, وكان القرد الذي تسلق الشجرة, قد بدأ يهبط أما الطاغية, فكانت في جعبة ألاعيبه ألعوبة الوريث سيف الإسلام القذافي, لكنه تعثر, وتلعثم عندما بدأ الربيع العربي, واقتلعت أعاصيره زين العابدين وحسني مبارك.
وما إن سقط مبارك في11 فبراير1102, حتي اشتعلت الثورة في ليبيا يوم71 فبراير.
وتبقي أغرب ألاعيب القذافي هي دهشته.. من أنتم؟.. قالها بينما كان القرد يهبط مرغما من فوق الشجرة.

ليست هناك تعليقات: