الخميس، أغسطس 18

حصريا ذاكرة الايام4 ( امنينة )

5-القبض على الانقلابيين

بقلم : ابراهيم  السنوسي امنينة


    استكمالا لما ورد في الحلقة السابقة يقول الراوي : قبل ذلك استدعيت والي طرابلس مع مدير الأمن اللواء محمد المنصوري وكان يتقد ذكاءً، وطلبت من اللواء المنصوري عمل دوريات متحركة بأقصى سرعة، وذلك لتفتيش أية سيارة مدنية أو عسكرية إذا كانت قادمة من برقة، وقلت لهما أن هناك مواد مهربة دخلت من مصر عن طريق برقة، والغرض من الدوريات هو إلقاء القبض على المهربين، وقد فهم اللواء المنصوري السبب الحقيقي من عمل الدوريات، لذلك لم يتكلم ووعدني بتنفيذ تعليماتي فوراً. وبالفعل تم احتجاز سيارات عسكرية عند حدود الولايتين كانت محملة بالأسلحة والذخائر.
في الساعة الرابعة ذهبت إلى القصر طبقاً للموعد المحدد سلفاً، ووجدت هناك البوصيري الشلحي ناظر الخاصة الملكية، ومصطفى بن حليم، وعبدالله عابد السنوسي، والعقيد عبدالعزيز الشلحي – كانوا كلهم موجودين في مكتب الدكتور علي الساحلي رئيس الديوان، ووضعوا سياراتهم بحيث لا أستطيع أن أجد موقفاً لسيارتي ، وطلبت من السائق ومرافقي إيقاف السيارة في أي مكان ودخلت فوراً إلى القسم الذي يوجد فيه مكتب الملك. هناك وجدت إدريس أبوسيف سكرتير الملك وفتحي الخوجة مدير المراسم وسألاني عن ما يجري قلت لهما لماذا؟ قالا أن البوصيري الشلحي ومصطفى بن حليم وعبدالله عابد السنوسي
 والعقيد عبدالعزيز الشلحي يوجدون منذ وقت مبكر في القصر، والبوصيري الشلحي يتردد بين الفينة والأخرى على الملك الذي يبدو أنه ليس في حالة طبيعية فهل حدث شئ؟ قلت لهما لا يوجد أي شئ. كما أخبراني أن العقيد عون أرحومة يتصل من بنغازي ومنذ الصباح الباكر بين الفينة والأخرى ويطلب العقيد عبدالعزيز الشلحي ويتحدث معه، بعد ذلك جاءني موظف التشريفات حسن الثني وأبلغني أن المراسم تطلب مني الدخول لمقابلة الملك. كانت المرة الأولى التي أعامل فيها بهذه الطريقة داخل القصر الملكي، كنت قد لاحظت أن الوضع غير طبيعي داخل القصر. دخلت على الملك فوجدته واقفاً تبادلنا التحية فلم يطلب مني الجلوس كعادته، كانت ملامحه تدل على حالة غضب وانزعاج ولم يكن في حالة طبيعية، سألني بحدة: ماذا يحدث داخل الجيش؟ قلت له : ليس لدي أي علم إن هناك حركة داخل الجيش فقال محتداً: إذاً ماذا تفعل، لقد بلغني أن الجيش استولى على برقة كلها وهو في طريقة إلى الاستيلاء على طرابلس.
قلت ليس لدي علم بأي شئ . قال : ألا تعلم أن برقة استولى عليها الجيش وأن وحدات تزحف حالياً نحو طرابلس؟ وأردف قائلاً أين هو السنوسي اللطيوش؟ وكانوا قد أبلغوه أنه في برقة – قلت له موجود في طرابلس – قال: هل تتحدث جاداً ؟ قلت : إن هؤلاء الناس يريدون إزعاجكم ويختلقون لكم الأكاذيب ولذلك أرجو أن تسمعوا مني الحقيقة كاملة، فأنتم لديكم رجال مسؤولون يقدرون المسؤولية حق قدرها.
خرج الملك لفترة لا تتجاوز عشرة دقائق ثم عاد وقد تغيرت ملامحه ورجع إلى طبعه الذي كنت أعهده فيه، وعلمت فيما بعد أنه كانت هناك خطة بإلقاء القبض عليّ ! وعندئذ شرعت في شرح الوضع بكافة تفاصيله وبعد أن أنهيت حديثي قال الملك معقباً على كلامي : يا بني أرحتني الله يريحك ويبارك فيك، أنا الآن سوف أذهب إلى المزرعة لارتاح وحين تنتهي من عملك أتصل بي في أي وقت.
قلت له لدي طلب أريده منكم وهو أنني أبلغت السنوسي اللطيوش ودون علمكم بأنني حددت له موعداً معكم. فقال متى تريدني أن أقابله فأنا على استعداد.
قلت : أريد أن يسمع منكم بأنكم جربتموه في الجيش وتودون الاستفادة من خبراته في العمل الدبلوماسي لأنني نسبت إليكم هذا الكلام، وبينت للملك أنني أوفدت وزير الدفاع ورئيس الأركان الجديد ومجموعة من الضباط إلى برقة ليتفقدوا المعسكرات وأنهم سيمضون ليلتهم هناك وقلت للملك من رأي أن تجتمعوا مع الجميع بحضور السنوسي اللطيوش وبعد ذلك نستأذن ونترككم معه لتبلغوه الأشياء التي اتفقنا عليها وتحاولون تطييب خاطره.
وافق الملك على الاقتراح وطلب مني إبلاغ التشريفات بالوقت المناسب لاستقبالنا جميعاً وخرج من مكتبه ولم يتحدث مع أحد من الذين كانوا في القصر وركب سيارته وذهب إلى المزرعة.

أما أنا فقد ذهبت إلى مكتب سكرتير الملك ورئيس التشريفات وعندئذ رن جرس الهاتف وكان المتحدث هو رئيس الديوان واستفسر رئيس التشريفات حول ما إذا كان الملك قد غادر القصر فأجابه بالفعل أن الملك قد غادر، وسأله رئيس الديوان إذا كان لم يسأل عنه أو عن البوصيري وكان جواب رئيس التشريفات أنه لم يسأل عن أحد. ثم عاد ليسأله عني وقال له رئيس التشريفات أنه بالقرب مني، وتحدث معي هاتفياً وتظاهرت بأنني ليس لدي علم بأي شئ، وسألني رئيس الديوان إذا كنت أحتاج إلى أي مساعدة شكرته وقلت له إنني لا أطلب شيئاً سوى راحته وهناء باله!! .
بعد ذلك غادرت القصر وذهبت رأساً إلى منزلي وفور وصولي لحق بي عبدالله عابد السنوسي وقال لي جئت لتهنئتك ، رغم أن عبدالله عابد كان متحالفاً مع ناظر الخاصة الشلحي ومصطفى بن حليم، فإن الغرض من زيارته كان بهدف إبقاء الجسور مفتوحة معي طالما أنني ما زلت رئيساً للحكومة. وقال لي لم يخطر ببال أحد حتى البوصيري أنك ستنتصر على الجميع وأضاف: كما أن أحداً لم يكن يتوقع أن تكون لك كل هذه الدراية بأوضاع الجيش الداخلية. قلت له: ماذا حدث – الجيش لم يحدث بداخله شئ – فأبلغني عبدالله عابد بأنهم كانوا يعتزمون إعلان الأحكام العرفية وأن يشكل مصطفى بن حليم حكومة جديدة ويلقي القبض على جميع الذين يعتقدون أنهم خصومهم وإنني كنت على رأس هذه القائمة فعلقت على ذلك قائلاً: على أية حال أنتم أخوة وحتى ولو اعتقلتموني فإنكم قطعاً لم تضعوا حبل المشنقة حول عنقي.
ذهبت بعد ذلك إلى مكتبي وتحدثت مع وزير الدفاع وطلبت منه البقاء ببنغازي لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، وأبلغته أن الأمور تسير حالياً سيرها المعتاد .
وفي وقت لا حق وبعد رجوع وزير الدفاع اتصلت بمدير المراسم وذلك حتى يحدد لنا الملك الموعد الذي اقترحته، وبالفعل تحدد الموعد في الساعة الرابعة بعد الظهر، ورافقني إلى مقابلة الملك وزير الدفاع والسنوسي اللطيوش رئيس الأركان السابق وكذلك اللواء نوري الصديق رئيس الأركان الجديد. أبلغت الملك أن كل شئ على ما يرام، وذلك تفادياً لإحراج السنوسي اللطيوش، كما أبلغته أن الضباط جميعاً وقعوا عريضة يعاهدون فيها الملك على الولاء والطاعة وأستأذنت بعد ذلك طبقاً لاتفاقي مع الملك فطلب الملك من السنوسي اللطيوش البقاء وظل معه لمدة نصف ساعة وخلال ذلك سلم اللطويش للملك استقالته من منصبه كسفير بوزارة الخارجية ولم أكن أعلم بأنه قد قرر الاستقالة.
وقال للملك : " لا أريد أي شئ سوى رضاكم وحتى منصب السفير لا أرغب فيه" .
الحلقة الجديدة بعنوان :

6- المحاكمة وما تبع المحاولة

ليست هناك تعليقات: