ذاكرة الأيام – 6
من باب العتب على السيد مسئول ملف الإعلام بالمجلس الانتقالي :
1- وقفات ومقارنات
بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه
إنه ليس من باب الرياء والنفاق أن أذكر ما يلي :-
لو أمضى شعب ليبيا ما تبقى له من عمر يمتدح ويشكر ويُكبر ويثني على ما قام به المجلس الوطني بكافة أعضائه من أداء فاق المعتاد من التوصيف بل تجاوز منطقة التميزّ ودخل منطقة الاستحالة في التنفيذ وحققّ الانتصار والتفوقّ – أقول لو أمضى شعب لبيبا بقية عمره يشكر ويمدح ويُكبر ويثني لما كان بوسعه أن يعطى هذا المجلس اليسير من حقّه أو القليل من الاعتراف بفضله والامتنان لمعروفه وإحسانه ورد الجميل .
إن ما قام به هؤلاء الفتية من عمل جبّار وقيادة حكيمة رشيدة لشباب اختار الشهادة على حياة لا قيمة لها وليس بها غير أنفاس تخرج وأنفاس تدخل، يتحكم فيها طاغية لم أجد له توصيفاً غير فرعون العصر بماله ورجاله – وكأنه هو الذي منح مثل هذه الحياة لهؤلاء .
هؤلاء الشباب الذين قهروه وهزموا كتائبه في الشرق والجنوب والغرب لم تكن أمهاتهم قد ولدتهم يوم 01/09/1969 – اليوم الذي أوهم فيه رفاقه – رفاق السوء ( بأنه هو قائد "الانقلاب"، وأنه هو الذي سيستولى على الإذاعة بعد منتصف الليل ويلقي بيانه وعندئذ تقرع أجراس "الثورة" ) غير أن الذي حصل هو أنه هرب مثل "الجرذ"
وأغلق على نفسه باب غرفته في المعسكر الذي كان يسميه "معسكر الخلية الأولى" بقاريونس، ولم يكن ليفتح باب الغرفة حتى قال له أحد رفاقه وهو يطرق عليه الباب بشدّه "لقد سيطرنا على الإذاعة فهيا تعال لتتلو/ البيان الأول للثورة" وعند ذلك فتح لهم باب غرفته وكان تبريره لعودته من الطابور الذي كان في طريقه للإذاعة لاحتلالها وكان يقوده هو، واختفائه في غرفته أنه "كان قد ضلّ الطريق إلى الإذاعة فعاد إلى المعسكر" ،غير أن أحداً من رفاقه لم يسأله لماذا كان يقلد صوت الأنثى وهو يرد عليهم من وراء باب الغرف "وكان قد غلـّق الأبواب وقال هيت لك" قائلاً منو؟ منو؟ منو؟
إذاً فرغم أنه كان مدجّجاً بسلاحه وذخيرته وآلياته وعرباته ورفاقه من الخونة، إلا أنه آثر التولـّي عن الزحف والأدبار يوم كان قرّر الزحف واتخّذ القرار، والسبب في ذلك أنه قائد جبان تماماً كالمرتزقة فإن سلاحهم القنص والغدر وليس المواجهة، ويجدر بي هنا أن أعيد ذهن القارئ لما ورد في الأسطر الأولى من هذه الصفحة :-
(( يوم 01/09/1969 – اليوم الذي أوهم فيه رفاقه - رفاق السوء – بأنه قائد الانقلاب، وأنه هو الذي سيستولى على الإذاعة بعد منتصف الليل ليلقي بيانه وعندئذ تقرع أجراس "الثورة"... )) .
وبعد أن تراءى للجمهور أن الانقلاب قد نجح في تقويض النظام الملكي صفقوا وفرحوا واحتفلوا بتحقيق ما كانوا به يحلمون من تغيير فقط من أجل التغيير، لأنهم ملّوا الرتابة والاستقرار وأنه إذا كان هناك ملك قد تقوض عرشه في شرقي البلاد (مصر) منذ سبعة عشر عاماً (1952) فلماذا لا نخوض نفس التجربة ؟ تلك سنة الحياة فالشعوب درجت على البحث دوماً عن بطل تعبده وتمشي وراءه ولا تزال تطلب منه تحقيق رغباتها التي لا تنتهي حتى تحرقه وتبحث عن آخر، ثم تحرقه هو الآخر وهكذا دواليك، مثلما حدث مع الأنبياء مثل سيدنا موسى وعيسى ويونس ولوط وعزير وأنبياء يهود عليهم جميعاً سلام الله، وملوك في أوروبا وزعماء تؤلههم شعوبهم ثم عندما يملّونهم فإنهم يقضون عليهم ويقتلونهم شرّ قتله، مثل ما حدث لموسوليني في إيطاليا وشاوسيسكو في رومانيا وأنور خوجه في ألبانيا. وما حدث في تلك البلاد سوف يحدث في ليبيا في هذه الأيام لأنه ربما قد آن الأوان أن يُحرق هذا البطل بعد أربعة عقود من القعود على عرش الاضطهاد والفساد والكفر والإلحاد - ربما كفى !!
لكن الأمر يختلف تماماً مع أبطالنا الجدد، فلقد كانت مبادرتهم جيدة وذكية ولم يجانبهم الصواب ولم تعوزهم الشجاعة ولم يتسرّب إليهم الخوف : قال الشاعر :-
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ \ فإن فساد الرأي أن تترددا
وقال على بن أبي طالب "رضي الله عنه" : انتهزوا الفرصة فإنها تمرّ مرّ السحاب ولا تطلبوا أثراً بعد عين .
وقال حكيم آخر : انتهزوا الفرصة فإنها خلسة وثب عند رأس الأمر ولا تثب عند ذنبه .
وهكذا فإن أبناءنا وأبطالنا الجدد الناضجين المؤمنين المتنورين والمثقفين وثبوا والتقطوا الكرة وسجلوا الأهداف السياسية بنجاح منقطع النظير مستغلين واسع خبراتهم ونافع علاقاتهم وثاقب رؤياهم في انتزاع الاعترافات بدولتنا الجديدة الوليدة، من دول العالم الواحدة تلو الأخرى، وتم تجميد أصول وأرصدة الفرعون وعائلته ومن يدور في فلكه خارج ليبيا حتى يغادرنا بإذن الله حافي القدمين عاري الكتفين خالي الوفاض كما حلّ بيننا في تلك الليلة المشئومة واستفقنا على نعيقه صباح ذلك اليوم .
وشتان بين يوم سقوط كتيبة القهر والذعر والعهر، كما يحلو لي دائماً أن أسميها، وليلة خيانة الشعب والوطن بسقوط الإذاعة، وما تلاها من تخبّط وتيه، وسرقة وقتل طيلة اثنتين وأربعين عاماً.
فالأولى سقطت بصدور عارية تهتف "الله أكبر"،وكما أسلفت أسقطها شباب لم تكن أمهاتهم قد وضعتهم يوم جاء هذا التنّين المتسلسل تحت جنح الظلام، ولم يتم لهم الحصول على بعض السلاح غير المتكافئ إلا بعد سقوط المئات (400) من الشهداء، أما ليلة خيانة الشعب والوطن وسقوط الإذاعة فليس المجال هنا للحديث عنها – إذ لا معنى للحديث عن شيءٍ كان قد قضى الله فيه أمراً كان مفعولاً .
الحلقة القادمة في اطار العتب بعنوان :
علم الاستقلال ونشيد البلاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق