الأربعاء، أغسطس 17

حصريا ذاكرة الايام 5



  
2 : حكم البجاحة والصلف


                                                              بقلم : ابراهيم السنوسي امنينة


يقابل ما ذكر في الحلقة السابقة عن ملك العفة والزهد والورع صورة معاكسة تمالما هي مثال آخر ليس من الورع والعفة والزهد ولكن من الصلف والظلم والتعسف وقهر الرعية وهضم الحقوق وتبديد ثروات الشعب وسلب الإرادة وعمي البصر والبصيرة وهو أنه في أواخر العام الماضي 2010، حدث أن قام رهط من الشباب في بنغازي باحتلال شقق سكنية تحت الإنجاز في ضاحية تقع قرب بنغازي من ناحية الغرب وأصروا على البقاء فيها مهددين بالدفاع عن أنفسهم بما كانوا يحملون من سلاح أبيض. وعبثاً حاولت السلطات الأمنية إخلاءهم حتى بالتهديد باستعمال السلاح الناري، بما في ذلك القاذفات والدبابات.
وكما تعودت أجهزة الدولة الأمنية في ليبيا عندما تواجه أي نوع من العصيان المدني بما في ذلك المظاهرات السلمية أو الاعتصامات أو ما شابه، فإنها تلجأ إلى الطاغية، وهو النسخة الأصلية من " الحاكم بأمر الله الفاطمي المعتوه"، وذلك بحثاً عن الحل عوضاً عن اتخاذ المبادرات والإبداع في خلق الحلول السلمية الإيجابية في مثل تلك الحوادث والأحداث، ذلك لأنهم اعتادوا وعودهم هذا الحاكم بأن المبادرات هي من المحظورات المهلكات، ولا حل إلا عنده " وما أريكم إلا ما أرى وما اهديكم إلا سبيل الرشاد" كما قال فرعون القرون الماضية.
فماذا حدث ؟ أمر أعوانه بالاتصال بشيوخ ورؤساء الروابط الاجتماعية في بنغازي لترتيب حضورهم إلى طرابلس – معقل الحاكم – وما هي إلا سويعات حتى كانوا بين يديه.
عندما وصلوا إلى المعقل أو بعد وصولهم تركوهم في الانتظار ردحاً من الزمن لا أعلم بماذا يقدر بالساعات أو بالأيام، المهم أنهم تركوا مع أنفسهم فترة من الزمن مغيبين لا يعلمون " أشرّ أريد بهم أم أريد بهم رشداً".
وهذا ديدنه عند استدعاء أي مسئول أو ضابط أو ذي حاجة فإنه يتركه معزولاً مغيباً عما حوله يفترض المأساة ولا يستبشر خيراً إلى أن يأتي أوان المقابلة يكون عندها الذي استدعى فقد كل قدرته على الدفاع عن نفسه أو التعبير عما يختلج بها مستكيناً راضياً بما يقضي به هذا "الحاكم".
وبالفعل جاء الوقت المناسب لمقابلة "الحاكم" وقبلها بقليل جاءهم رئيس "القلم" الذي لا يعرف الكتابة وهو بمكانة " رئيس الديوان" وفي العادة كما كان في الدولة العثمانية يكون جاهلاً متخماً بالصلف وبيده سلاح وعيناه كعيني الذئب مخيفتان تشعان الذعر وتنمان عن الغدر وتنذران بالموت في أية لحظة – ذلك حسب تقديري – هو : ما يسمى ( بشير صالح )، فلا هو بشير ولا أبوه صالح جاءهم هذا البشير بالسوء والنذير بالقهر ليقول لهم كلمتين بالمختصر المفيد:
لقد استدعاكم الأخ القائد لتستمعوا له وتنصتوا، فاستمعوا وعوا.
ولا تنبسوا ببنت شفه ، ولا تعليق ولا تعقيب
وأخيراً أطلّ على هؤلاء الشيوخ وعيون المدينة وأشرافها (المفترض) وقال لهم ما يلي: شدّوا صغاركم وإلا والله نهدم عليهم ما احتلوه من مباني بالصواريخ ليصبحوا هم والمباني أثراً بعد عين – وأبحثوا بعد ذلك على من يبني لكم وحدات سكنية". هذا ما وصلني من نص قابل للنشر وفي حدود اللياقة والتهذيب، أما النص الكامل لهذا اللقاء فإنني أربأ بنفسي عن ذكره.
وفي نهاية خطبة "الحجاج بن يوسف الثقفي" تجرأ وتململ أحد الشيوخ الحاضرين في جلسته رافعاً يده متحدياً (الذئب القلم الذي لا يكتب) بشير صالح يا أخ القائد يا أخ القائد" وبعد المقدمة المطولة والأطناب في كيل المدائح اقترح الشيخ" " أن توافقوا يا قائد النصر والتحدي على اقتراح بمنح كل شاب في مثل ظروف هؤلاء الشباب مبلغاً من المال وليكن (60 ألف جنيه) فإنه بهذا المبلغ المتواضع يتمكن الشباب من شراء شقة سكنية وسيارة وحتى الزواج والاستقرار ( يا سلام ).
ولم يدعه " القلم الذئب" ليكمل حديثه، ليرد عليه " الحاكم بأمر الله " باقتراح يقول "عطيهم من كيستك" انصراف للجميع. هيا.
وكانت شر طرده، ورجع الشيوخ بخفي حنين وعلى أهلها جنت براقش.
وأنا ، وفي تقديري وحتى القارئ، في حيرة حسابية وواقعية، كيف يتسنى لشاب عاطل أن يشتري شقة سكنية وسيارة ويتزوج بـ 60 ألف جنيه أو ما يعادل 45 ألف دولار؟. انتهى المثال.
وإنني لأتساءل أين هي " كيسة" الدولة ؟ وهل هي حلال على أبنائك وحواريك ومتخلفي أفريقيا وزعماء العرب المرتشين، وحرام على شباب ليبيا التعساء هم وعائلاتهم الذين تحملوك وأطاعوك لأكثر من أربعة عقود؟؟ حقاً: فاستخف قومه فأطاعوه. صدق الله العظيم.
ولك أن تقارن أيها القارئ العزيز بين المثال الأول في تقوى الله في الرعية والمثال الثاني في تبديد ثروة الرعية وحرمانهم من أبسط الحقوق في الحياة – تبديدها في ما لا يرضي الله!!


الحلقة الجدديدة(( محاولة انقلاب 1961))



ليست هناك تعليقات: