دور عبدالناصر في انقلاب 69 المشئوم
بقلم : ابراهيم السنوسي امنينة
(4- النصف الاخر للحقيقة )
كان ماورد في الحلقة السابقة من كلام هيكل وهو نصف الحقيقة ، أما نصفها الآخر فهو كما يلي:-
نصف الحقيقة الآخر والذي تجاهله المستشار الخائب هيكل ، عن قصد ، جاء على لسان رئيس وزراء سابق لايزال على قيد الحياة هو بالنص : " اقتباس " Quote " صباح أول سبتمبر 1969 اتصلت من زيورخ بأحد مساعديّ وهو المهندس " ميزاتو " في روما لأشددّ عليه إرسال بعض الفنييّن وهو الذي أبلغني بالنبأ الصاعقة الذي وقع علىّ وقع الكارثة وهو حصول انقلاب في ليبيا !!
وحاولت طوال ذلك اليوم أن أتصل بالملك في تركيا أو في اليونان ، وعندما حدث الاتصال بمقر الملك إدريس لم أتمكن من محادثته ، واقتصر الاتصال على حديث سريع بين زوجتي والملكة فاطمة " رحمها الله " حيث استطاعت زوجتي أن تنقل إليها رجائي للملك إدريس بأن يستقل أول طائرة ويعود إلى طبرق لأن مستقبل الوطن يستدعي منه هذه التضحية فقد كنت موقناً أن عودة الملك سوف تؤدي إلى فشل الانقلاب . ولكن كان رد الملكة فاطمة أن الملك مرتاح وأن الأمور على ما يرام !!
غير أنني لم أفهم السبب في موقف الملك إلا عندما اجتمعت به في القاهرة خلال شهر مارس 1975، وعندما سألته لماذا لم يرجع إلى ليبيا فوراً عقب الانقلاب ، ابتسم وقال : " الم تعرف السبب ؟ " قلت : لا .. فنظر إلى زوجته وقال لها لماذا لاتقولي له ؟ فقالت الملكة عندئذ : لقد تلقي الملك رسالة عاجلة من السلطات المصرية تنصحه بلامتناع عن اية محاولة للعودة إلى ليبيا لأن أية وسيلة يستعملها في محاولة للعودة " ستنسف في الطريق " ، وأشارت تلك السلطات أيضاً على الملك أن يطلب من الرئيس عبد الناصر السماح له بالقدوم إلى مصر، وفي هذه الحالة سيكون ، أي الملك ، محل احترام المصريين وهذا ما فعل." UNQUOTE انتهى الاقتباس. وأنا أصحح : وهذا ما اضطرّ أن يفعل، وأن يبقى تحت الحصار والامتهان في مبنى أبعد ما يكون عن سكن يليق برجل صالح تقي ورع صانع للمعروف عادل زاهد ، كان ملكاً – وتأتي هذه المكافأة بل هذا الصنيع وهذا الجزاء المشابه لجزاء سنمّار وهذه المكافأة من حاكم مصر إلى الملك ادريس في أواخر عمره- وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان !!- جزاء وقفته التاريخية والإنسانية الأخوية والخيرية قبل أقل من عام مضى عندما حضر إلى ليبيا وزير سابق وهو حسن صبري الخولي المذكور آنفاً موفداً من حاكم مصر طالباً إعانة مادية عاجلة وذلك بسبب أزمة مالية طارئة وطاحنة تمرّ بها مصر الجاره أثناء اشتعال حرب الاستنزاف التي كانت تخوضها ضد العدو الصهيوني عام 1968- وإذ رجع هذا الموفد مجبور الخاطر بما يسمح به بند مصاريف الطوارئ في ميزانية ليبيا وقتذاك وذلك في حدود 20 مليون جنيه.
وكان حاكم مصر قد ذكر هذه الواقعة بنفسه أمام مؤتمر ملوك ورؤساء الدول العربية التي كانت مجتمعه في القاهرة وقت قيام انقلاب سبتمبر 1969- وذلك حسب ما ورد على لسان المستشار الخائب هيكل.
وبذلك فإن حاكم مصر بتهديده الملك إدريس- الجار الحنون وصاحب الجميل بأنه سينسف أية وسيلة انتقال يستعملها هذا الأخير في طريق عودته إلى ليبيا ( أي تنفيذ خطة ربما أعدّتها تركيا وألمانيا لتحــقيق عودة الملك إلى وطنه بالقوة العسكرية البحرية )- يكون قد أصاب عصفورين بحجر واحد : إذ قام بدور الحامي THEPROTECTOR للانقلابيين اللاشرعيين بأن منع الملك من العودة إلى وطنه وفي نفس الوقت ، ظهر بمظهر الحامي للملك الذي لجأ إليه مضطراً ومرغماً واحتمى به في مصر،انتهى الاقتباس UNQUOTE وأنا أقــول: بئــس الحامي وبئس الملجأ والملاذ !!!
ولاننسى العصفور الثالث الذي أصابه ألا وهو إحكام السيطرة على الطاغية الولد الصغير ومن ثم استنزافه – وذلك بوجود الملك تحت تصرفه ، إذ في اية لحظة يكون باستطاعته – أي حاكم مصر- أن يمكنّه من عرشه من جديد إذا ما حاول الولد الصغير " أن يلعب بذيله " ،
مثل ما حاول الرئيس السادات ، رحمه الله ، أن يهدّد نظام الخميني في إيران باستضافة ولي عهد شاه إيران في مصر ومساعدته متى شاء ومتى كان مستعداً لاستعادة عرش أبيه الشاهنشاه محمد رضا بهلوي في إيران.
ويجدر بنا هنا أن نترحّم على الرئيس محمد أنور السادات كونه أعاد الاعتبار إلى مليكنا محمد إدريس المهدي السنوسي بعد وفاة عبد الناصر ، وذلك بتوفير سكن يليق بملك سابق وإلغاء المراقبة على إقامته واستبدالها بحرس شرف مقيم ومستلزمات أخرى من حماية وكوادر وجراية ، والسماح لمن يرغب في أن يزوره بعد أن كانت كل الزيارات من أي نوع محظورة عليه وفوق كل ذلك شرّفه وتشرّف السادات بأن يكون الملك إدريس عاقداً وحاضراً وشاهداً في حفل عقد قران إحدى بناته رحمة الله على كليهما وعلى الخيّرين المحسنين من المؤمنين بالله ورسوله آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق