دور عبدالناصر في انقلاب 69 المشئوم
بقلم : ابراهيم السنوسي امنينة
(3 - نصف الحقيقة )
.......وأخذتني الدهشة البالغة لهذا العرض. وحين عدت للقاهرة وجدت في انتظاري رسالة في المطار تقول أن الرئيس يريد أن يراني على الفور. وكنت قد صحبت معه في الطائرة مصوراً صحفياً لأنني كنت أعرف عن عبد الناصر عادة دراسة جميع الصور التي يمكن أن تقع في يده لأي شخص سيتعامل معه (لاحظ موهبة الفراسة عن هذا المخلوق) وقد أكدت للقذافي – ولم يكن يريد لأي صورة أن تنشر- أن الصور التي ستلتقط له هي من أجل عبد الناصر فقط. وطلبت من المصور أن يذهب لتحميض الصور وطبعها ، بينما توجهت أنا إلى منزل عبد الناصر.
وقال عبد الناصر وأنا أدخل عليه : ماذا وجدت ؟
قلت : " مشكلة " قال لماذا ؟ هل هم ضد مصر ؟
قلت : " أبعد ما يكون . المشكلة أنهم أبرياء إلى حد مذهل..
أطهار إلى حد مخيف . أنهم رجالك .. يريدون الوحدة معك.
( ولكم أن تتصوروا مدى براءة وطهارة هذا الطاغية على مدى 42 عاماً وكم قطع من أعناق وسفك من دماء منذ ذلك التاريخ ) .
ولم تكن دهشة عبد الناصر لما قلت أقل من دهشتي لما سمعت وجعلني استعيد المرة بعد المرة تفصيلات رحلتي واجتماعاتي مع القذافي ورفاقه. ماذا كانوا يرتدون ؟ كيف عامل الآخرون القذافي ؟ هل خرجت بإنطباع أن القذافي يسيطر على القيادة بالفعل ؟ وحين قلت أن القذافي لم يكن حالقاً ذقنه ، قال أجل .. أجل أنت على حق في أن تقول لي كل هذه التفصيلات" لكني لما كنت لم أقضي في بنغازي سوى 18 ساعة وقضيت ليلة بحالها وبعضاً من ساعات الصباح التالي بلانوم ، فقد ظلت هناك أسئلة عدة وجهها إلى عبد الناصر ولم يكن في استطاعتي أن أجيب عنها في تلك الساعة ، وفي اليوم التالي وردت برقية من بنغازي وكان معي في الطائرة إلى بنغازي ،ضابط اتصال عسكري ، وضابط اتصال سياسي من ضباط المخابرات ، وقد ظل الاثنان في بنغازي وبعثا من هناك يقولان أن تحذيراً وصل من ألمانيا الغربية- وكانت بين ليبيا وحكومة "بون " علاقات وثيقة لأن ألمانيا كانت تحصل على كميات كبيرة من البترول الليبي- بأن الألمان يساعدون الأتراك في أعداد حملة بحرية تستهدف أعادة الملك إدريس إلى البلاد. وكان الملك يقضي إجازة في تركيا حين وقع الانقلاب.
وكانت الفكرة أن من الممكن إعادته بالطريقة نفسها التي أعيد بها الامبراطور هيلا سيلاس في العام 1960 حين كان خارج بلاده وحدث ضده الانقلاب الذي دبره ابنه بالتعاون مع (الرأس أمر).
وقد أثار ما تضمنته البرقيه بعض القلق في نفس عبد الناصر لأنه كان في ذلك الوقت مهتماً أشد الاهتمام بمسألة العمق اللازم للدفاع عن مصر ( هذا العمق الذي هو من اختراع وإيحاء الطاغية في أول اجتماع مع المستشار هيكل ، أصبح الآن من الهواجس التي تقضّ مضجع حاكم مصر وتحرمه من النوم والتي جعلت من الملك إدريس بعبع مثله مثل اسرائيل فلابد من بذل كل جهد للحيلولة دون عودته إلى ليبيا ) .
ولذا فقد كان من الأهمية القصوى أن يهيئ للثورة الليبية الوقت الطافي لتدعيم نفسها " ولابد من صياغة الجملة الأخيرة لتقرأ كالتالي : " ولذا فقد كان من اللازم ومن أولى الأولويات الاستفادة من الظرف الحالي وهو غياب ملك هذه البلاد والاستفادة من العرض السخيّ – الذي قدمّه هذا الولد العبيط ، والفرصة التي لاتأتي إلا مرة واحدة في العمر وهي الهيمنة على ثروات وأراضي هذه البلاد والاستفادة من عمقها لا من أجل استرداد سيناء وقناة السويس بل من أجل التوسع لحل مشكلة الانفجار السكاني في مصر الذي بدأت تعاني منه ، ومن أجل اتساع رقعة الامبراطورية التي كان يحلم بتحقيقها شرقاً في العراق وسوريا واليمن والأردن لكنه فشل، إذن ، فليزحف غرباً نحو شمال أفريقيا وحتى جبل طارق والأندلس بداية من الأراضي والعمق والثروات التي قدمها له العبيط على طبق من فضة ، وهذا شرح للعبارة الأخيرة التي وردت على لسان هيكل والتي تقول : " أن يهيئ للثورة الليبية الوقت الكافي لتدعيم نفسها " وذلك لن يتم إلا كما سبق وذكرنا بمنع الملك إدريس من العودة إلى ليبيا وهذا ما حرص عليه حاكم مصر".
ونعود إلى هيكل : رأيت عبد الناصر يمسك سماعة التليفون بعدما انتهى من قراءة البرقيه التي جاءت من بنغازي ويطلب الفريق محمد فـــوزي المسئول عن حرب الاستنزاف في الجبهة ويقول له : " فوزي... أريدك أن تهدئ الموقف على جبهة القناة ( وكان ذلك في وقت بلغت حرب الاستنزاف ذروتها ) وتستعد للعمل في الغرب ، وتصورت ما ستكون عليه دهشة الفريق فوزي لهذا الأمر ، لكن الحقيقة أن لواءً مدرعاً نقل في تلك الليلة ( أرأيتم كم هو مستعجل هذا الأمر وخطير؟ ) إلى مرسى مطروح كما أبحرت مدمّرتان وبعض الغواصات من الاسكندرية إلى هناك.
أنتهى كلام هيكل وهو نصف الحقيقة ، أما نصفها الآخر في الحلقة القادمة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق