الخميس، أغسطس 18

حصريا : ذاكرة الايام ( امنينة )

4- حكمة تفشل مكائد


بقلم : ابراهيم السنوسي امنينة

استكمالا لما ورد في الحلقة السابقة من ذاكرة الايام يقول الراوي :  بعد هذه التطورات اتصلت بالدكتور علي الساحلي رئيس الديوان يوم 26 نوفمبر 1961، وطلبت منه إبلاغ الملك بأنني سأحضر لمقابلته في اليوم التالي.
كنت في البيضاء في ذلك اليوم وبعد منتصف الليل رن الهاتف داخل مقر إقامتي وكان المتحدث عقيد في الجيش يدعى جبريل صالح أعرفه معرفة شخصية، أبلغني أنه مع عشرة ضباط يرغبون في مقابلتي حالاً، كان جوابي أننا الآن في آخر الليل، ومن الأفضل أن يكون اللقاء في صباح اليوم التالي، وتناهي إلى سمعي عبر الهاتف ضجيج وأصوات عدد من الناس، وهم يقولون ...لا... لا تقبل. تأكدت أن حوله مجموعة من الضباط، وبعد أن تيقنت أن الأمر خطير، طلبت منه الحضور وحيداً. كانت الرحلة من بنغازي إلى البيضاء، تستغرق ساعتين، وبالتالي فإن العقيد جبريل سيصل مع الفجر، فأبلغت الحرس بإدخاله لمقابلتي فور وصوله. وبالفعل وصل مع بزوغ الشمس، وبادرني مستفسراً عما إذا كان لدي علم بأن قوات دفاع برقة قد طوقت رئاسة الأركان، أجبت بالنفي مشيراً إلى أن قوات دفاع برقة مسؤول عنها الوالي مباشرة وليس رئيس الحكومة. قال لي العقيد جبريل، أن قوات دفاع برقة طوقت رئاسة الأركان في الوقت الذي كان فيه أكثر من مائة وخمسين ضابطاً مجتمعين مع رئيس الأركان وإزاء ذلك طلب الضباط رفع الحصار وإلا فإنهم سيضطرون إلى قصف قوات الأمن بالمدفعية. قلت له هل جئت لتشرح الوضع أم تبلغني تهديداً؟ وأوضحت له أن الجيش يتبع الحكومة الاتحادية وقد اعتدت عليه قوة من الولاية، وهي تابعة للوالي، ويفترض في هذه الحالة باعتباري رئيساً للحكومة أن اتخذ الإجراء المناسب للدفاع عن الجيش لأن الجيش تابع للحكومة الاتحادية ومهما يكن من أمر فأنا واحد منكم، لذلك لا معنى للتهديد. وسألني مجدداً عما إذا كان لدي علم بهذه التطورات فنفيت علمي بالواقعة ، على أساس أن قوات الأمن تابعة للوالي. وكررت على مسامعه أن الجيش هو قوة الحكومة الاتحادية وأن أي شئ يسئ للجيش هو في الوقت نفسه يعتبر بمثابة إساءة للحكومة، واخبرته بأنني طلبت مقابلة الملك لأتبين حقيقة الأمر. وذكر لي بأنهم سمعوا كذلك أن الملك سيصدر مرسوماً بإقالة رئيس الأركان لأن الخبر تسرب لهم من الديوان الملكي، وقال لي العقيد جبريل أنه في حالة إقالة رئيس الأركان فإن ضباط الجيش لن يقبلوا القرار وسيضطرون لاتخاذ إجراء مضاد. فعلقت على ذلك بالقول إنني سأبحث الموضوع في اليوم التالي مع الملك، مؤكداً بأنني لن أقبل أية إساءة للجيش، وطلبت منه قبل إنهاء المقابلة وباعتباره قائد لواء طرابلس العودة إلى هناك وإبلاغ ذلك لرئيس الأركان والبقاء في طرابلس حتى أتصل به وقلت له بلهجة حاسمة " من الآن أمرك بأن لا تنفذ أية تعليمات من أي كان إلا مني شخصياً حتى تتضح الأمور".
وفي صبيحة 27 نوفمبر 1961 ذهبت إلى مدينة بنغازي لاستقل الطائرة إلى طرابلس، وعند وصولي إلى مقر رئيس الحكومة في بنغازي جاءني قائد الجيش اللواء السنوسي اللطيوش وبرفقته عدد كبير من الضباط وفور أن استقبلتهم بادرني بتسمية الضباط الذين معه وأسماء وحداتهم وبعد ذلك خاطبني قائلاً (( أطلب منكم حالاً رفع الحصار الذي فرضه بوقويطين على هيئة الأركان وإلا سأعطي الأمر بقصفهم بالمدفعية، ولا يمكن للجيش أن يسكت وأن يخضع لأبناء وبنات إبراهيم الشلحي – وكان بوقوطين متزوجاً من إحدى بنات الشلحي – ومضي اللواء السنوسي اللطيوش يقول إذا كان الملك مستسلماً وراضياً عن أفعالهم فليذهبوا جميعاً لأننا نحن الذين جعلناه ملكاً كما أن آبائي وأجدادي ومن معهم من الليبيين استقبلوا جده محمد بن علي السنوسي عندما جاء إلى ليبيا ولا يحمل معه إلا الكتب فقدموا له العون وأنشأوا له الزوايا في جميع أنحاء ليبيا وأنفقوا عليه من أموالهم لا يبتغون من ذلك إلا جزاء الله)).
كان يتكلم وهو في حالة هيجان وتوتر وغضب والضباط يؤيدون أقواله، وبعد أن انتهى من كلامه أجبته قائلاً: ((يا سنوسي كنت أحسب أنك من أعقل رجال ليبيا من أخلصهم للملك إدريس الذي هو والدنا جميعاً وصاحب الفضل علينا إذ لولا حكمته لما كانت ليبيا دولة مستقلة، ثم أن ما قلته أنت عن آبائك وأجدادك وعن كل الليبيين الذين قدموا تلك الخدمات التي ذكرتها تم في وقت لم يكن فيه محمد بن علي السنوسي ملكاً ولم يكن أحد في ذلك الوقت من الليبيين الذين قدموا الخدمات يفكر في أن يصبح قائداً للجيش أو وزيراً أو رئيساً للحكومة وما قاموا به كان لوجه الله اعتقاداً منهم بأن ذلك كله لمصلحة ليبيا ثم قلت له إني أريد أن أسألك سؤالاً محدداً : هل أنت أفضل من آبائك وأجدادك؟ فأجاب : ((إنهم أفضل مني))، قلت إذاًَ يجب عليك أن تكون مع الملك إدريس مثلما كان من ذكرتهم مع الإمام محمد بن علي السنوسي، ثم يا سنوسي جاءني العقيد جبريل صالح موفداً من طرفكم فجر اليوم وأخبرني عن كل ما جرى وأبلغته بأنني سأذهب اليوم لأقابل الملك في طرابلس لأبحث معه هذه المواضيع وهآنذا في طريقي إلى هناك فثق بأننا مجموعة واحدة لأننا كلنا نكوّن الاتحاد الليبي، وعندما انتهي من مقابلتي للملك والحديث معه سأتصل بك وأبلغك بكل شئ. أجابني قائلاً: سأذهب إلى مكتبي في رئاسة الأركان ولن أغادره إلى أن تتصل بي وسيبقى جميع الضباط في مكاتبهم ووحداتهم في انتظار مكالمتك.
وصلت بعدئذ إلى طرابلس وذهبت إلى القصر الملكي وألتقيت مع الملك وقلت له أن رئيس الديوان أخبرني بما أمرتم به ولكنني في البداية أود معرفة التفاصيل إذا تكرمكتم والأمر الذي استدعى اتخاذ قراراكم بإقالة اللواء السنوسي اللطويش ومن معه، فإذا كان الرجل يدبر مؤامرة أو يريد القيام بانقلاب عسكري وأنا ليس لدي علم فمعنى ذلك أنني يجب أن أستقيل فوراً، وإذا كنت على علم ومتواطئاً معه ففي هذه الحالة أنا خائن أستحق العقاب.
أجابني الملك قائلاً: لا هذه ولا تلك، ولم يتبادر إلى ذهني مطلقاً أن تكون متواطئاً، كما أنني متيقن أنه ليس لديك علم بما جرى، واستطرد قائلاً: لقد جاءني أبوسيف ياسين وهو ناظر سابق للداخلية في ولاية برقة ومن قبيلة المغاربة التي ينتمي إليها السنوسي وأخبرني أن السنوسي يوزع الأسلحة على قبيلته ويقرب الضباط الذين ينتمون إليها وكذلك ضباط آخرين من القبائل الموالية له، كما أنه يقوم بتخزين كميات أخرى من الأسلحة وينوي القيام بانقلاب عسكري.
قلت مخاطباً الملك أنتم تعرفون أبوسيف ياسين كما أنني أعرفه وفي الجيش توجد مجموعة صغيرة من الضباط يتزعمها العقيد عبدالعزيز الشلحي
 وهذه المجموعة ليست على وفاق مع قائد الجيش وحتى الآن لا أعرف سبب ذلك، كل ما هنالك أن السنوسي اللطيوش يقلص دائماً من مهامهم  داخل الجيش، وقد تكلم معي في هذا الشأن عدة مرات حيث كانت وجهة نظره، ان عبدالعزيز الشلحي وأصدقاءه من الضباط لا تتوفر فيهم الصفات المطلوبة للعسكريين المحترفين ورغم ذلك كنت أنصحه بأن يكون أباً لجميع الضباط دون تفريق، وكانت له وجهة نظر مغايرة ، كما أنني أعلم أن تعامله يتسم بنزعة قبلية وكنت أعاتبه على هذا المسلك وأقول له أنت قائد لجيش ليبيا لا جيش قبائل، ويجيبني بالإيجاب ولكنني ألاحظ في بعض تصرفاته تحيزاً وبالرغم من هذا فإنني متأكد من إخلاصه لكم، وطلب مني الملك أن نعين هيئة أركان من الضباط المتخرجين من كليات الأركان وقلت له أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت ودراسة عامة تخص الجيش، ونظراً لمعرفتي بالملك وطبعه أجبته بأن المراسيم التي أمر بها جاهزة، ولكنني أخشى أن نخلق سابقة في الجيش، بل يجب علينا أن نعالج الأمر بحكمة وقدمت له المراسيم التي طلبها.
أقول الآن للتاريخ والحقيقة أن اللواء السنوسي اللطيوش كان شهماً وشجاعاً ووطنياً وفي رأي أنه استفز بهذه الواقعة، وهو من الضباط الذين تكونوا في الجيش السنوسي الذي شكل أثناء الحرب العالمية الثانية، وخليفته نوري الصديق كان من الضباط الذين تكونوا في ذلك الجيش أيضاً وحين تم تعيين السنوسي اللطيوش قائداً للجيش عين نوري الصديق بمرسوم ملكي نائباً له وقد تم ذلك في عام 1958م وعند حدوث الواقعة التي نحن بصددها كان الزعيم نوري الصديق غائباً خارج ليبيا بصحبة وزير الدفاع يونس عبدالنبي بالخير في مهمة في المغرب، فقال لي الملك: كيف نتصرف؟ ولكن في كل الأحوال لابد من إخراج السنوسي اللطيوش من الجيش قلت له سأتحدث مع السنوسي اللطيوش وأقول له أن الملك يرى أنك بمثابة إبنه فقد جربك في المجال العسكري والآن يريد أن يجربك في الحقل الدبلوماسي وبذلك نعينه سفيراً بالخارجية، رد علي الملك قائلاً أنت دائماً تفكر في الحلول التي لا تضر أحداً، ولكن تأكد من أنه حين يأتي يوم تتعرض فيه لمكروه لن يفكر فيك أحد لأن أكثرية الناس لا خير فيهم وأنا أدرى منك بذلك. قلت له وليكن ذلك ولكن لنعالج الأمور بحكمة وعندئذ قدمت له المرسوم الخاص بتعيين السنوسي اللطيوش سفيراً في الخارجية، ومرسوماً بترقية نوري الصديق إلى درجة لواء وتعيينه رئيساً للأركان فوقع الملك المرسومين وكان ذلك في 28/11/1961م .
كنت قبل سفري إلى طرابلس طلبت من سكرتيري الخاص الأستاذ حسن أبوخريص، لأنني أثق فيه وأقدره بعد تجربة فوجدته أميناً وصادقاً ولذا كلفته بالاتصال بقائد كتيبة درنة العقيد مصطفى القويري وأحد الضباط الكبار في كتيبة المرج كنت أطمئن إليه، وقلت له أن يبلغهما بوجود مشاكل في الجيش وأن لا يقحما نفسيهما في هذه المشاكل وطلبت منهما أن ينتبها لما يحدث وإذا شعرا بوجود أي تحرك غير طبيعي عليهما التصرف تصرفاً ملائماً لما يتطلبه الموقف وأن يبرهنا على ولائهما للوطن والملك، كما طلبت منهما عدم الامتثال لأية أوامر تصدر عن رئاسة الأركان أو عن غيرها وعدم قبول أية تعليمات إلا مني شخصياً أو عن طريق سكرتيري الأستاذ حسن أبوخريص، فوعدا وعداً قاطعاً بتنفيذ ما طلبته منهما كما طلبت من وزير الخارجية الاتصال بوزير الدفاع لكي يعود ومن معه من الضباط إلى ليبيا.
وقبيل مغادرة بنغازي وبعد انصراف اللواء السنوسي  اللطيوش والضباط الذين معه استدعيت ضابطاً في الجيش كان في عطلة وهو العقيد إدريس عبدالله ومدير مباحث ولاية برقة العقيد حسن التومي ونائب قائد قوات دفاع برقة العقيد يونس بالقاسم والمسؤول عن أمن الدولة في برقة المقدم دخيل بوشريدة، كلاً منهم على حده وأبلغتهم بأن عليهم واجباً وطنياً يتطلب منهم الانتباه وأن يكونوا مستعدين لأن هناك تحركات سرية داخل الجيش وهي تحركات لا تسرّ، واتفقت معهم على أن يراقبوا كل شئ وأن يكونوا على اتصال بي ليل نهار وأن لا يغادروا مكاتبهم.
بعد ذلك سافرت إلى طرابلس واجتمعت مع الملك كما اسلفت وبعد انتهائي من مقابلة الملك اتصلت من مكتبي هاتفياً مع السنوسي اللطيوش وقلت له أنني قابلت الملك فطلب مني تفاصيل ما حدث فقلت له أن ذلك لا يمكن أن يتم عبر الهاتف لذا من الأفضل حضورك إلى مكتبي في طرابلس، وأكدت له أنني أقف معه في خندق واحد.
وبالفعل حضر إلى طرابلس مع عدد من الضباط وجاءوا ًإلى مكتب وزير الدفاع الذي اتصل بي وأخبرني أن قائد الجيش في مكتبه، فطلبت منه أن يحضروا جميعاً إلى مكتبي وكان قائد الجيش هائجاً وثائراً ويتحدث بعنف، وأنزلق به الحديث ليتعرض بالشتم للملك، وبعد أن أفرغ ما في جعبته، قلت له إنني اجتمعت مع الملك وقال لي: إنه ليس لديه أية مؤاخذة على السنوسي اللطيوش وإنني أعتبره بمثابة ابني ولا أسمح لأي أحد أن يتدخل بيننا، لقد جربته في الجيش ونجح والآن أود أن أجربه في السلك الدبلوماسي، وربما احتاجه في مناصب أرفع. فأجابني قائلاً أريد أن أسمع ذلك بنفسي من الملك، فقلت له سأحدد لك موعداً مع الملك وطلب أن يعود إلى بنغازي وعندما يحدد الموعد يعود مجدداً إلى طرابلس.
واتضح لي من أحاديثه معي أنه كانت لديه خطة مدبرة . وافقت على سفره إلى بنغازي وفعلاً خرج من مكتبي نحو المطار، وقبل وصوله إلى المطار طلبت من سكرتيري الاتصال بمدير أمن المطار، وإبلاغه بأنه حين يصل السنوسي اللطيوش إلى المطار يتصل به ويبلغه أن هناك مكالمة هاتفية عاجلة من رئيس الحكومة تطلب منه العودة فوراً إلى طرابلس. كانت هناك رحلة جوية ليلية واحدة تربط بين طرابلس وبنغازي وكان قصدي أن تقلع الطائرة فلا يجد وسيلة أخرى للسفر إلى بنغازي.
نفذ مدير أمن المطار تعليماتي وبالفعل عاد السنوسي اللطيوش ومن معه من الضباط أدراجهم ولكنهم عوض التوجه نحو مقر رئاسة الحكومة ذهبوا إلى معسكر باب العزيزية ومن هناك أوفد لي السنوسي اللطيوش اللواء نوري الصديق رفقة ضباط آخرين، وجاءني نوري الصديق وبادرني مستفسراً: هل ألقيتم علينا القبض؟ تساءلت لماذا؟ قال لي أن مدير أمن المطار منعهم من السفر بحجة وجود مكالمة هاتفية عاجلة من رئيس الحكومة ومعنى ذلك أنه تم إلقاء القبض علينا، وإذا أردتم أي شئ من اللواء السنوسي اللطيوش ها نحن جميعاً موجودون باستراحته داخل المعسكر. أجبته قائلاً ألم يقل السنوسي اللطيوش أنه يريد أن يسمع الكلام الذي قاله في حقه الملك من الملك نفسه؟ رد نوري الصديق : بلى قلت لقد تحدثت مع الملك وحدد له موعداً في العاشرة في الصباح يوم غد ولذلك أرتأيت أنه عوض أن يسافر إلى بنغازي ويضطر للعودة مجدداً في صبيحة اليوم التالي باكراً، من الأفضل أن يمضي ليلته في طرابلس، أما إذا كان لا يرغب في مقابلة الملك فإمكانه أن يستقل سيارة رئيس الحكومة التي أضعها تحت تصرفه ويسافر الليلة إلى بنغازي، فأجاب نوري الصديق: ( لن نسافر لأننا نريد مقابلة الملك ).
بعد ذلك استدعيت وزير الدفاع وطلبت منه أن يذهب مع بعض الوزراء إلى الاستراحة حيث يقيم اللواء السنوسي اللطيوش ويتم تحضير مائدة عشاء وأن يظلوا مع السنوسي اللطيوش يلعبون الورق حتى الصباح. استفسر وزير الدفاع المقصود من وراء ذلك وشرحت له الخطة وطلبت منه الكتمان مع الانتباه لكل ما يجري وأخذ الحيطة والحذر.
وكانت الخطة المدبرة المشار إليها تتلخص في أن السنوسي اللطيوش أتفق قبل وصوله إلى طرابلس مع الضباط أنه في حالة إذاعة مرسوم يقضي بإقالته من الجيش يجب عليهم أن يتحركوا فوراً وأن يستولوا على البلد.
كانت المراسيم تذاع عادة في نشرة الساعة التاسعة ليلاً، وحين أذيع مرسوم تعيينه سفيراً لم يستطع القيام بأي اتصال مع أي جهة لأن الوزراء كانوا إلى جانبه كما أن كل المشرفين على تحضير المائدة كانوا من رجال أمن الدولة المدنيين الذين تم اختيارهم بعناية وكانت معهم أسلحتهم الخفيفة مخبأة وعلى استعداد لكل طارئ.
كنت قد اتفقت مع قائد لواء طرابلس العقيد جبريل صالح – كما ذكرت – أن يقف بالمرصاد لأي تحرك ، وبعد إذاعة المرسوم بادر الضباط المتواطئون مع السنوسي اللطيوش في معسكرات المرج وبنغازي بالاتصال ببعضهم هاتفياً وإعداد السيارات العسكرية وتهيئة الجنود للتحرك وهم لا يعلمون بأنهم تحت الرقابة من الضباط الذين اتفقت معهم قبل مغادرتي البيضاء وتم إلقاء القبض على الجميع.
كان سكرتيري على صلة بمن اتفقنا معهم، وبالفعل أبلغوه بأنهم ألقوا القبض على جميع الضباط الذين تحركوا.
في صبيحة اليوم التالي أتصل العقيد عون أرحومة من بنغازي مع الديوان الملكي في طرابلس وتحدث مع العقيد عبدالعزيز الشلحي وهو لا يعلم أي شئ عن الترتيبات التي أتخذتها، ولم تكن لديه أية مسؤوليات داخل الجيش لأن السنوسي اللطيوش كان قد همشه هو والعقيد عبدالعزيز الشلحي، وأبلغ العقيد عون أرحومة العقيد الشلحي أن إنقلاباً قد وقع وأن الجيش استولى على بنغازي وهناك كتيبة تحركت تجاه طرابلس، وعند ذلك اتصل بي الدكتور علي الساحلي رئيس الديوان وتحدث معي بلهجة حادة وقوية لم أعهدها من قبل وأبلغني أن الملك يطلب إلقاء القبض على السنوسي اللطيوش وعدد من الضباط يتجاوز عددهم المائة ضابط، وأملا علي أسماءهم وقلت له إنني سأنفذ تعليمات الملك فوراً ، ولكنني أريد مقابلته عاجلاً ، وبعد فترة أتصل بي مجدداً ليخبرني أن الموعد تحدد في الساعة الرابعة بعد الظهر. في ذلك اليوم لم أكن غادرت رئاسة الحكومة وأمضيت الليل كله في المكتب ولم أتحدث مع أحد من المسؤولين إلا وزير الدفاع حول هذه التطورات خشية أن ينزعجوا أن يرتبكوا.
الحلقة الجديدة:
(( القبض علي الا نقلابيين ))

ليست هناك تعليقات: