ذاكرة الأيـام (18)
بقلم: إبراهيم السنوسي امنيـــــنه
من هــو ؟
خلال الستينيات من القرن الفائت
كان هذا السؤال هو عنوان المقال الاسبوعي على الصفحة الأولى وهو بمثابة الافتتاحية لجريدة "البلاغ " الاسبوعية التي كانت تصدر في طرابلس وكان لهذا المقال السؤال مفعول السحر في إجتذاب القراء وشدّهم والتأثير عليهم من الناحية السياسية والنفسية وإقناعهم بتوجهات هذه الأسبوعية فتتضاعف بالتالي أعدادهم في خضمّ ذلك التنافس الشريف في جوّ من الحرية الصحافية، إذ كانت تصدر آنذاك صحف أسبوعية مثل: الحقيقة والرقيب، والرائد والزمان وغيرها على اختلاف مشاربها وتوجهاتها سيان أن كانت ناصريه أو ملكية أو جمهورية ومنها المدعوم من شرق ليبيا أو غرب العالم وكلّ في فلك يسبحون.
رئيس تحرير جريدة البلاغ الأسبوعية هو المرحوم علي اوريّث الذي كان قد صادفه ملاك الموت وبمعيته ( بطريق الصدفة ربما !!) الأستاذ المحامي إبراهيم بشير الغويل الذي نجا بأعجوبة من فخ الموت الذي نصبه لهما الطاغية المقبور في الطريق من مصراته إلى طرابلس خلال شهر نوفمبر 1970.
عود على بدء فمن هو المقصود بعنوان المقال(من هـــو ) كانت الدفعة 33 ( 1954-1957) منذ تاريخ إنشاء الكلية العسكرية العراقية ، والدفعة الثانية مكونة من 20 طالباً: 15 منهم من ولاية برقة وخمسة من ولاية طرابلس، كما يلي:-
وهم فوزي الدغيلي وأخوه جلال الدغيلي، صالح وأخوه حسن السنوسي عبد السيد ، جاد الله عبد الحفيظ ، رمضان غريبيل، محمد علي الهلالي، أحمد فوزي هــلال، محمد شحات فالــح ، عبد الحميد الماجري، عبد القادر خلــيفة ، أحمد السبيع ، أحمد الزبير السنوسي ، حليم البوري، محمد سعد جبريل(بوزعيتره).
أما جماعة طرابلس فكانوا : محمد نديم بن موسى ، طارق خيري السّراج الطاهر الناجح ، سليمان الفقيه حسن ، ومن زواره جمعه ميلود شعبان وقد استقال حليم البوري" لصعوبة التدريب" واستمر الباقون وهم تسعة عشر بالكلية حتى تخرجوا.
وعند التخرج رفضت المملكة الليبية منح السيد أحمد الزبير السنوسي رتبته العسكرية بل وتم فصله من الجيش الليبي، ذلك لأن الملك ادريس آنذاك غير راضي عن العائلة السنوسية كلها بسبب مقتل ابراهيم الشلحي ناظر خاصته وخادمه وموضع ثقته ، يوم 5 اكتوبر 1954 بمدينة بنغازي أمام المجمع الحكومي- الإبراج الثلاثة حالياً والذي كان يطلق عليه مبنى حكومة الولاية الاتحادية – أقول أن الملك ادريس لم يكن راضياً عن العائلة السنوسية برّمتها وقتئذ بسبب قيام محمد الشريف محي الدين السنوسي وهو ابن عم السيد أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي وكان من بين الإجراءات الانتقامية الصارمة رفض منح الترقية للسيد أحمد الزبير السنوسي موضوع المقال فمن هو : هو السيد أحمد الزبير بن أحمد الشريف بن محمد الشريف السنوسي بن الإمام محمد بن علي السنوسي سليل الملوك الادارسة والفاتحين المنحدرين من الطاهرة ابنة الطاهر الزهراء فاطمة رضي الله عنها وارضاها.
*خلاصة الأمر أن العراق اعترفت بتخرجه ومنحته الرتبة ، غير أنه لما كان المرحوم فيصل الثاني ملك العراق وقتذاك متعاطفاً مع الملك ادريس رحمه الله لم يرضى باستخدامه بالجيش العراقي، ومنحته الكلية العسكرية العراقية من مدخراتها الخيريــة وسافر إلى سوريا عام 1957 بعدما أتم التدريب في صنف المخابــرة (الاشارة- SIGNAL) واكتسب خبرة مكنته من العمل .
كانت سوريا وقتئذاك برئاسة شكري القوتلي في أوائل 1958 على وشك الانفتاح على مصر عبد الناصر حيث تبنّت قضايا عربية كثيرة منها الوحدة الاندماجية ومؤامرات إسقاط الأنظمة الملكية في المنطقة وتحريض الشعوب على الثورات في كل مكان بما في ذلك افريقيا السوداء.
علمت سوريا أن السيد أحمد الزبيــر السنوسي هو أمير من العائلة السنوسية وحفيد المجاهد أحمد الشريف السنوسي وأنه مطارد لايجد عملاً فأوجدت له قيادة الجيش عملاً بصفة مدنية كفني اجهزة لاسلكية ، وألحق بالخدمة في فرع الجيش قرب ضاحية المزّة. ووجد السيد أحمد الزبير حجرة على سطح احدى المساكن فشغلها ، وواصل معيشته في تلك الحجرة وفي عمله كفنيّ مخابرة بمرتب قدره 150 ليرة في الشهر وهو ما يضمن معيشة على الكفاف.
وأثناء عودة طلبة الكلية الليبيين من الإجازة كان البعض يسافر عبر لبنان وسوريا بالباخرة متوجهين إلى بغداد ، وكان بعض الضباط والطلبة الموسرين يزورونه ويتركون له بعض المال دون أن يشعر بهم ، كمساعدة له.
وواصل السيد أحمد الزبير معيشيته بالكيفية التي قسمها له الله راضياً مرضياً حتى وقع انقلاب عبد الكريم قاسم في 14 يوليو 1958، وكان آمر سريته ضابط يدعى عبد اللطيف الدراجي قد صار وزيراً للداخلية في حكومة عبد السلام عارف بعد مقتل عبد الكريم قاسم عام 1963 فاستدعاه بعد ما ارسل أحمد الزبير رسالة له يخبره بأنه يريد العودة للعراق والانضمام للجيش العراقي، وهكذا رجع إلى بغداد ومنح رتبة نقيب كأقرانه في ذلك الوقت ومنحوه شقة للسكن واحتضنوه وشعر بالأمان وصار يترقى ويعمل في مجاله في سلاح المخابرة حتى وصل لرتبة مقدم.
رجع السيد أحمد الزبيــر الي ليبيا وترك ما كان فيه ، وكان في بغداد محل اهتمام ورعاية واحترام ، ولكن هكذا كانت المقادير، وهكذا كان حظه السئ، ولم تمضي شهور قليلة من رجوعه إلى ليبيا حتى أُتهم وأخوه راشد الزبير بالمشاركة في محاولة انقلابية عرفت بمحاولة " الأبيار" بتاريخ 27/5/1970، وكان من بين المتهمين في المحاولــة ثلاثة ضــباط من خريجي العراق بل اثنان كانا من نفس دفعتــه : عبد القادر خليفة وعبد الحميد الماجري الذي مات نتيجة التعذيب والثالث كان محمد علي أحمد الضرابط.
وفي 17/5/1972، حكمت محكمة عسكرية خاصة برئاسة المقدم علي الفيتوري بإعدام السيد أحمد ، وبالسجن المؤبد وأحكام أخرى بحق بقية المتهمين.
أطلق سراح شقيقه السيد راشد يوم 2 مارس 1988 أما السيد أحمد الزبير- موضوع هذا المقال- فلم يفرج عنه إلا يوم 27 أغسطس 2001 أي أنه بقى في السجن واحداً وثلاثين عاماً صابراً محتسباً، مصبحاً بذلك حائزاً على لقب أقدم سجين في العالم وذلك حسب تقديرات المنظمة الدولية Amnesty آمنستي وهي مدة أطول من تلك التي قضاها نلسون مانديلا في سجون التمييز العنصري في جنوب افريقيا ، وهكذا كـان أحمد الزبير* السنوسي ذلك الفتى الورع الطيب الكريم ، ضحية للعساكر في جماهيرية الطاغوت الهمجية، كما كان في نفس الوقت قد أخذ بجريرة ووزر إثم لم يرتكبه ولم يكن حتى موجوداً في ليبيا وقت حدوثه ،في العهد الملكي ، ولاتكسب كل نفس إلا عليها ولاتــزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفـــون : الأنعام 164.
وكل امرئ بما كسب رهين " الطور 21 "
خاطرة بالمناسبة
أثناء حرب المقاومة ضد الغزو والاحتلال الايطالي، وبينما كان البطل الشهيد عمر المختار برفقة أحد الرفاق الشهداء أظنّه الشيخ المجاهد عبد الحميد العبار أو المجاهد يوسف بورحيل، بينما كانا يتفقدان احدى الجبهات في أعماق الصحراء شرقي الجبل الأخضر إذ مرّا بمكان به قبر لمجاهد معروف هو الشيخ حسين الجويفي فخطر للشيخ عمر المختار أن يترنم بالبيت الآتي من الشعر الزجلي الشعبي المرسل قائلاً:
شِهير لسَمْ وافيِ الدين تمّا غفيرْ في فاهقْ خلاَ
ومضــت الأيام تطوي.. بعد ذلك بأكثر من ثمانين عاماً.. أي عام 2011، هناك اليوم من يتفقد الصحراء ويمشّط الفلوات من أولياء دم أو مريدين أو عشاق للشياطين وعبّاد للسحرة ، واتباع وأزلام وإمّعات باحثين عن قبر الطاغوت للتبرك وإقامة المناحات ولطم الخدود وشق الجيوب ودعوات أولياء الشياطين يترنمون:
وقبرُ حربٍ بمكانِ قفْرٍ ولَيْس قربَ قبر حربٍ قبرُ
فهل أدرك هؤلاء البحاث الفرق بين هذيـن البيتين ماذا يعنيان وهذين اللحدين ماذا يحويان ؟
أن القبر الأول شرق الجبل الأخضر كان يحوي قيماً وقمماً بينما القبر الثاني الذي دفن في الفلاة بلامس القريب ( يوم الأثنين 24/10/2011) فكان يحوي رمما تعافها الطيور الجارحة مهما قرصها الجوع.
قال تعالى وهو خير القائلين :
ولاتصلّ على أحد منهم مات أبداً ولاتقم على قبره أنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولاتعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون. صدق الله العظيم (التوبة 84)
تحياتي لشيخ السجناء الشرفاء وسليل المجاهدين الكرماء والاتقياء ومرحباً بالسيد أحمد الزبير أحمد الشر يف محمد الشر يف محمد بن علي السنوسي الخطابي الادريسي- الحسني
* هذا الأستاذ كان قد تولى ملف قضية " لوكربي" للدفاع عن الطاغية بالتعاون مع الأستاذ المحامي الجزائري سعد جبّار في محاولة التبرئة من دماء 270 راكباً كانوا على متن طائرة (البان آم) في رحلتها رقم 103 وذلك بتفجيرها وبالتالي اسقاطها فوق بلدة " لوكربي" اسكتلندة يوم 23/12/1988 .
* End of Quotion from Akhban. Libya مع الشكر لاخبار ليبيا على اقتباس هذه الجزئية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق