ذاكرة الأيام – 14
وامستنصراه !!
بقلم: ابراهيم السنوسي امنينة
الحلقة الخامسة والاخيرة من تاريخ إخواننا الأمازيغ
دخول بنو هلال وبنو سليم برقة : نحو 443 هـ 1050 م :
كانت قبائل هلال وسليم تقطن بجزيرة العرب حتى مضى الصدر الأول من الدولة العباسية، وكانوا بأرض الحجاز ونجد، ثم تحول بنو سليم وكثير من بنى هلال بن عامر إلى البحرين وعُمان وصاروا جنداً للقرامطة.
ولما انتصرت القرامطة على بلاد الشام ظاهرهم على ذلك بنو سليم وبنو هلال وبعد احتلال الدولة الفاطمية لمصر غزت الشام وانتزعته من القرامطة وطردوهم، فرجعوا على أعقابهم إلى البحرين، وبقى بنو سليم وبنو هلال بالشام فنقلهم الفاطميون إلى صعيد مصر في العدوه الشرقية من النيل فأقاموا بها مدة طويلة .
خروج المعز بن باديس على الدولة الفاطمية :
كان للدولة الفاطمية والي بتونس ونواحيها يدعى المعز بن باديس تولى إفريقيا (تونس) سنة 406 هـ 1036 م، وقد حصل بينه وبين الخليفة الفاطمي المستنصر بالله جفاء بسيط .
لكنه أخذ في الزيادة حتى أظلم الجو بينهما فقطع ابن باديس الخطبة باسم المستنصر الفاطمي وأحرق أعلامه وبنوده ومحا اسمه من السكة والطرز ودعا باسم الخليفة العباسي حينئذ وهو القائم بأمر الله ونشر الرايات السود (أي العباسية) .
ولما بلغ ذلك الخبر المستنصر الفاطمي قامت قيامته، وفاوض وزيره ومستشاره أبا محمد الحسن بن على اليازورى واصله من فلسطين، وكان أبوه فلاحاً بها، في أمر ابن باديس فأشار عليه بأن يسّرح له العرب المتواجدين شرق النيل، وأن يستميل قلوبهم بالهدايا ويتفاهم مع مشايخهم ويوليهم البلاد، فإن غلبوا ابن باديس كانوا أعوناً للدولة وحكاماً بها وإن كانت الأخرى فلها ما بعدها، فوقع ذلك من الخليفة موقعاً عظيماً، وأرسل وزيره إلى أحياء العرب وأجزل لأمرائهم العطاء ووصل عامتهم ببعير ودينار لكل واحد منهم وأباح لهم إجازة النيل وقال لهم :
قد أعطيناكم الغرب وملك ابن باديس العبد الآبق فلا تنتقرون بعد ذلك أبداً. وكتب وزير المستنصر إلى ابن باديس متوعّداً قائلاً : أما بعد، فقد أنفذنا إليكم خيولاً فحولاً، وأرسلنا عليها رجالاً كهولاً ليقضى الله أمراً كان مفعولاً. واستعد العرب للرحيل وعبروا النيل إلى برقة فنزلوا بها وفتحوا أمصارها وأعجبتهم طبيعتها وراق لهم مناخها فكتبوا إلى إخوانهم الذين بقوا شرقي النيل يرغبّونهم في البلاد فالتحقوا بهم في برقه. ولما وصل العرب إلى برقه وجودها خالية لآن ابن باديس قد أباد أهلها.
صدام العرب مع المعز بن باديس:
لما بلغ المعز بن باديس نبأ العرب اشترى العبيد وجمع البربر حتى بلغ العدد ثلاثين ألفاً، ثم سار العرب نحو ابن باديس تحت لواء قائدهم مؤنس بن يحي من قبيلة بنى مرداس وجمع أمراء العرب وتوجهوا إلى المعز بن باديس ولدى وصولهم حاول إغراءهم بالاحتفاء بهم لكنهم أظهروا له العداء وجاهروه بالنيّة في المحاربة، وحيث أن المعز لم يرى مناص له من الحرب جمع عسكره وجنّد جيشه وكانوا ثلاثين ألفاً من الفرسان ومثلها من المشاة وسار من دار الحكمة وهي "صبراتة" قاصداً القيروان وكان عدد العرب ثلاثة آلاف فارس فلما رأوا كثرة عساكر صنهاجه والعبيد مع المعز هالهم ذلك وعظم عليهم فقال لهم رئيسهم مرادس المذكور : ما هذا اليوم يوم فرار، اليوم يوم العينين.. والتحم الجيشان واشتد القتال وكان ذلك في سنة 446 هـ فانهزمت صنهاجة وتركوا المعز مع العبيد فثبت المعز والعبيد حتى قتل منهم خلق كثير ثم انتقل إلى القيروان مهزوماً على كثرة عدته وعدده، فأخذ العرب الغنائم التي تركها جيش المعز المكونة من خيول وخيام وما فيها وانسحبوا بعد هذه الموقعة واحتلوّا طرابلس في هذه السنة (446 هـ) وبعد انتهاء هذه الموقعة قال الشاعر على بن رزق الرياحى :
وأن ابن باديس لا حــــزم مالك \ لكن لعمري ما لديه رجال |
ثلاثة آلاف – لنا – هزمت له \ثلاثين ألفاً إن ذا النكـــال |
ولما وصل المعز بن باديس القيروان مهزوماً أحاط نفسه بسور وجمع يوم المنحر (العيد الأضحى) سبعة وعشرين ألف فارس وهجم على العرب وهم في صلاة العيد فركب العرب خيولهم وحطوا على جيش ابن باديس فانهزمت جموعهم وقتل منهم عالم كثير، ثم كرّر المعزّ مرّة أخرى جمعه وهجومه وخرج بنفسه في قبائل صنهاجه وزناتة وانهزم في هذه المعركة أيضاً .
على أثر هذه المعارك استولى العرب على القيروان وضواحيها بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على نشوب هذه الحرب، ولم يكن أمامهم مانع في اجتياح بقية البلاد، فتقدم العرب في البلاد ولم يكن يقف أمامهم ما يستحق الذكر. وهكذا صاروا يفتحون البلد تلو الأخرى حتى وصلوا إلى مراكش، ولقد تحضّر نسلهم فصار له فضل ومزيّه في الحضارة المغربية.
وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم يا إخواننا الأمازيغ البربر، حيث امتزج العرب بكم فعرّبوا لسانكم وسهّلوا امتزاج الأمتين في بعضهما وكملت بهم الوحدة الإفريقية ونشروا الأدب العربي، وكان لقدومهم أثراً اجتماعياً عظيماً صبغ البلاد صبغة عربية بعد أن كانت عجمية، وانتهى بذلك تاريخ البربر وثقافته واندثر باندماجه وانصهاره في العرب ديناً ولساناً وثقافة منذ القرن الحادي عشر الميلادي (1050 م).
وهكذا فالفضل كل الفضل فيما حدث من تغيير لوجه أمة بكاملها وبعودة أمة كانت ضالة منطوية متقوقعة لا تعرف أين تذهب وماذا تريد ثقافتها الانفصال وشن الحروب والتوسع والخراب، مرضها الزهو بالذات، مشكلتها النرجسية والأنا- بدون مقومات.
وأنا أقول شكراً للمستنصر بالله الفاطمي، ويا ليته يبعث من جديد.
وبغض النظر عما تقدم وعن أهلية الخطيب وصلاحية ومنطقية الخطاب فإن الظرف الذي تمّر به ثورتنا غير مناسب لطرح هذه الطروحات فيكفينا ما يطرحه ويفعله بنا ويختلقه من فتن البعض من إخواننا الذين يحملون السلاح ويديرون المعارك في الجبهات، ويقودون الجند ويوجهونهم، ذلك البعض له مصدره وربّما قيادته إما خارج البلاد أو ممن يلبسون الطواقي البيض و "الفرامل" ويظهرون على شاشات قنوات التلفاز المتربصة، من أجل التنظير والتبشير والتبرير والتغرير أيضاً-
أقول أسألكم بالعزيز المقتدر الذي لا سؤال لغيره أن تكفوّا عن هذا الهرج والمرج الذي لا فائدة ترجى من ورائه بل على النقيض فإنكم فقط تثلجون به صدور أعداء الجميع الذين لا يزالون على قيد الحياة بل ولا يزالون يقاتلونكم ولو من وراء جدر، ورحم الله زماناً لم يكونوا ينتسبون فيه ببنت شفه لتحتجّوا أو حتى لتطرحوا أفكاراً أو نظريات، فبالله عليكم ماذا قلتم وماذا فعلتم عندما قام الطاغية المدمّر يوم 15 إبريل عام 1973 بإلقاء الخطاب "التاريخي" بالنسبة لكم حيث غيرّ اسم (زواره) إلى "النقاط الخمس" وبموجب هذه النقاط الخمس، كان قد مسح ليبيا وليس زواره فحسب من على وجه التاريخ وذلك بإلغاء دستور وقانون وشرعة حياتها واستبداله بشرعة اخترعها هذا الطاغية ابن السَّفاح وهي أبشع وأضلّ من شرعة الغاب بل الغاب أرحم، وبذلك فقد قتل حاضرها وغمط ماضيها وانهمك مع أتباعه ومريديه في تدمير مستقبلها وإفساده بل وإلغائه .
انتبهوا يا أخوتي ... فإن البعض في الداخل والخارج يسعى إلى تقسيم ليبيا طوائف وأطياف وشرائح وملل لا طاقة لهذا الشعب بتحمل نتائجها ولا خير يرجى من ورائها، فكل الظواهر الحادثة اليوم تشير وسوف تؤدي إلى ذلك لا قدّر الله، "وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" فلا تحزنوا ولا تهنوا حتى وإن حدث ذلك، فقد كانت كذلك فيدر إليه اتحاديه بإرادة الاستعمار الغربي من إيطاليين وانجليز وأمريكان وفرنسيين وروس وحتى باكستان*. انضمّت إليهم من الداخل فئة "ضالّة" يحفظ التاريخ أسماءها في سجل أسود، كانوا لا يريدون الوحدة- بل يحبذوّن الانفصال وكانوا قد مّهدوا لذلك أيام الاحتلال الايطالي وذلك في المؤتمر الذي عقد في مدينة القصبات عاصمة مسلاتة في الجامع الكبير المعروف بجامع المجابرة- يوم السبت 13 صفر 1333 هـ الموافق 16 نوفمبر 1918.
بسم الله الرحمن الرحيم "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها. وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون"
(الأنعام 123)
" وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون" (يوسف 102)
"ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" (النمل 127)
"أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" (الأعراف 99)
صدق الله العظيم
أقول جعلوها أعداء الأمة في الداخل والخارج "فيدرالية" أي اتحادية، لردح من الزمن، ثم أعادها سيرتها الأولى بمشيئة الله سيدي محمد إدريس السنوسي رحمة الله عليه في نوفمبر 1963 أي بعد اثنتي عشر عاماً من الانفصال- دولة موحدة بإذن الله، ولو كره الكافرون، وإن شاء المشاءون بنميم في الداخل قبل الخارج أن تكون مقسمّة كما كانت فهي بإذن الله أيضاً ودائماً ستعود موحّدة صامدة من جديد "وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين"
صدق الله العظيم (آل عمران 140)
وأختم القول :
بسم الله الرحمن الرحيم
"يأيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " صدق الله العظيم (الحجرات-49)
وبهذا ننهي حلقاتنا الأربع للتعريف بحكاية وتاريخ إخواننا الأمازيغ وهي مهداة إلى الأخ المتشدد الموتور الذي يحمل لواء الانفصال عن الوطن الأم الذي أكرمه وآواه وقت الشّدة وهداه إلى دين الإسلام بعد ارتداد أجداده أمثال كسيله والكاهنه الداهية وغيرهم .
المراجع :
1- المقدّمة – لابن خلدون
2- السبك الحديث في تاريخ برقه : تأليف الشيخ محمد السنوسي الغزالي
3- التذكار- لابن غلبون
4- المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب
5- نهاية الأدب – النويري
6- تاريخ الفتح العربي – أحمد الزاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق