الجمعة، نوفمبر 25

المشهد الوطني

الثورة لا تعني الفوضى

بقلم : د. فتحي العكاري 

الثورة هي لحظة صدق تنطلق فيها قوى الخير و الإصلاح و حب العدل و القيم الإنسانية بدافع من ضمير حي يكون عندها المرء مستعد للتضحية بالغالي و النفيس. و فعلا انطلقت جموع الشعب الليبي في فبراير الماضي في لحظات صدق لترفع الظلم و توقف الطاغوت و تدفع الثمن و لم تكن تتوقع عوائد أو فوائد أو مناصب أو كراسي بل كانت 
تريد الحرية.

الآن و بعد انتصار الثورة تبرز مشكلة الطابور الخامس و هم بقايا عملاء و أعوان الطاغية و هم قوم لا تزال قلوبهم معلقة بالطاغية أو رافضة للقيادات الجديدة. كما تظهر علينا مشاكل الطابور الخائن و هم أناس لا مبدأ لهم إلا مصالحهم و مكاسبهم بحق أو بغير حق و هذا الطابور أخطر فهو كان يسير خلف الثوار لينال الغنائم و يسرق ما يغفل عنه الناس في لحظات القتال.
  كلا هذان الطابوران يشكل خطرا على الثورة بسبب استغلالهم للبسطاء من العامة في إثارة النعرات الجهوية و العرقية و المصلحية و يزداد هذا الأمر خطورة مع وجود بعض القنوات الإعلامية المضللة و التي يقودها من له مصالح في إثارة الفتن.

فعلى سبيل المثال مهما كانت ظروف السفارات بعد انتصار الثورة و تشكيل الحكومة لا يحق لأحد التدخل فيها إلا من خلال وزارة الخارجية. و هذه السفارات جزء من السيادة الوطنية و تمثل كامل الشعب الليبي و هي ليست مسخرة لخدمة الجالية الليبية فقط و ليست تحت تصرفها، و لا يجوز لأي جالية أن تعين أو تغير سفير أو موظف أو تعيق العمل.
 بالتأكيد ستتم مراجعة كل السفارات و السفراء المنشقين منهم والمندسين و سيتم الإبقاء على المخلصين بينهم لكن بشكل حضاري و قانوني.

و بالرغم من أن ليبيا لم تعرف تمحيصا في تشكيل أي حكومة في تاريخها مثل ما حدث مع الحكومة المؤقتة الحالية فإننا نجد قلة من الناس ترفع شعارات غير صادقة أو وطنية تحت شعار تمثيل المناطق و القبائل و الجهات المختلفة. أولا كلنا يعرف أنه من المستحيل أن نكون كلنا جميعا في الحكومة بالرغم من تعدد الكفاءات و هذا مصدر فخر لنا. و ثانيا ماذا فعل ممثلي القبائل في الحكومات السابقة، كان جل سعيهم للحفاظ على الكراسي فمنهم من بقى أكثر من أربعين سنة، فماذا قدم لقبيلته؟

 و من وجهاء القبائل و الجهات و المدن من شارك مع الطاغية شراكة كاملة في كل الجرائم و الفساد و حماه و دافع عنه، بل و زج بأبناء عمومته في السجون و جرهم للمشانق و القائمة طويلة.

أما ظاهرة الاتجار بدم الشهداء فهي أسوء ما نرفض من ممارسات، فلقد ضحى الشهداء بأرواحهم ليأتي من يريد أن يقبض ثمنا لدمائهم و يهدد و يتوعد لأنه لا زال بيده سلاح.
 هذا الأمر يرفضه كل ثائر صادق و تتبرأ منه أرواح الشهداء و أسرهم و أبنائهم، و الشعب قادر على حسم هذا الأمر فهم لا يمثلون إلا فصائل من المرتزقة.

و من الظواهر التي تحمل جينات الفتنة النائمة و المتمثلة في إتباع أساليب التصعيد ما حدث من اجتماع لعدد من العسكريين و انتخابهم لمسئولي المستقبل، هذه ظاهرة مرفوضة بالقانون العسكري فلا يوجد انتخاب بالجيوش المحترفة و لا يتدخل العسكريون في السياسة، ومن يريد مزاولة السياسة عليه أن يترك الجيش.

 و كلنا يذكر تاريخ الجيش خلال العقود الماضية و دوره مع الثوار و دوره في المعارك و دوره في المعارضة و الدور الذي نحلم به لجيش المستقبل العصري.
 فلا تفسدوا علينا نشوة النصر بتلاعب أصحاب المصالح، فالتهديد أو استباق الأحداث هو نوع من البلطجة السياسية و ما يحدث في مصر خير نذير على خطورة البلطجة على الحريات.

و في الختام أضم صوتي لمن يطالب بالإسراع في إعداد الشعب للانتخابات و تشكيل المؤتمر الوطني و الانطلاق في بناء الدولة الليبية الحديثة. كل ما نحتاجه بعض الصبر و الكثير من العمل الهادف البناء، فكل الحكومات قابلة للتغيير و كل المناصب مفتوحة لمن يريد أن يعمل بإخلاص، و لكن على الجميع تحمل المسئولية و المشاركة الايجابية مع الاستعداد للتضحية.

ليست هناك تعليقات: