دعــوة مــــلحـة
لأعادة تنظيم نقابة المحاسبين والمراجعين
بقلم : محمد بشيرالبرغثي
محاسب ومراجع قانونيمن بين أهم الشعارات اتي أطلقها المجلس الوطني الإنتقالي في بدايات ثورة السابع عشر من فبراير تبني الشفافية واعلان الحرب على الفساد ، وذلك أمر طبيعي فالفساد المالي والإداري الذي سرى الدم في كافة أجهزة الدولة المنتهية وإداراتها كان في الواقع واحداً من بين أهم عوامل استفحال التذمر بين مختلف طوائف المجتمع وهو تذمر لم يكن له من بدٍّ إلا أن ينفجر في ثورة شعبية عارمة سيظل أوارها متقداً إلى أن يُوأد الفساد وتسود الشفافية ، لكن المجلس فيما يبدو لم يتنبَّه إلى أن من بين أهم الأدوات التي كان لها فضلٌ كبير في كشف الفساد ووضعه بشفافية ووضوح أمام أجهزة الدولة الموؤدة هم المحاسبون والمراجعون القانونيون الشرفاء الذين أفصحوا في تقارير فحصهم لحسابات بعض الجهات الإعتبارية ذات الأثر الكبير على مختلف قطاعات المجتمع فلو كان المجلس أدرك أهمية هذا الدور المرموق لما كان غيَّب قطاع المحاسبين والمراجعين عن عديد المهام التي تهتم بمحاربة الفساد وتفعيل الشفافية ، بل الأكثر مدعاةً للأسف أن يصدر قرار المجلس الوطني الإنتقالي رقم 12 في 29/03/2011 بتجميد أنشطة جميع النقابات والروابط والإتحادات المهنية من دون أن يستثني أيّاً منها ، وذلك ما تضمنه كتاب السيد رئيس المجلس الوطني الإنتقالي رقم 11/66/2011 المؤرخ في 11/04/2011 إلى أمناء ورؤساء النقابات والروابط والإتحادات المهنية الذي أكَّد فيه بوضوح تجميدِ أنشطة جميع النقابات والروابط والإتحادات المهنية التابعة لما كان يسمى مؤتمر الشعب العام وحظرِ تصرف إدارات النقابات والروابط والإتحادات المهنية في ما لها من أموال مُجيزاً لأعضائها تكوين جمعيات مهنية مؤقتة .
ولئن كان بعض الزملاء في العاصمة بادروا إلى الدعوة إلى تكوين تجمعٍ مدني بديل في مسعى مخلصٍ منهم للحفاظ على وجود المهنة وتصحيح مسارها فما أراه أن نقابة المحاسبين والمراجعين باقية وإن لم ترد الإشارة إلى ذلك في قرار المجلس ،
ذلك أن قرار المجلس وإن نص على تجميد أنشطة جميع النقابات والروابط والإتحادات المهنية التابعة لما كان يسمى مؤتمر الشعب العام فإن نقابة المحاسبين والمراجعين ليست من بين هذا الجميع المشمول بقرار التجميد فقانون تأسيسها كان سابقاً على صدور إعلان قيام ما كان يسمى سلطة الشعب سنة 1977، كما أن أموالها هي أموالٌ خاصة تكونت من حصيلة اشتراكات أعضائها ولا تتضمن دعماً أو إعانة من خزانة الدولة ، وفضلاً عن ذلك فإن القانون رقم 23 لسنة 1998 بشأن النقابات والإتحادات والروابط المهنية لم يتعرض لا من قريبٍ ولا من بعيد إلى قانون إنشاء نقابة المحاسبين والمراجعين لا بالتعديل ولا بالإلغاء ، كما أن عديد القوانين النافذة التي صدرت لاحقاً لصدور القانون رقم 23 لسنة 1998 بشأن النقابات والإتحادات والروابط المهنية تضمنت إشارات صريحة إلى أهمية ودور المحاسب والمراجع القانوني عضو نقابة المحاسبين والمراجعين الليبيين ، فالقانون رقم 1 لسنة 2005 بشأن المصارف أوجب بنص المادتين 82 و83 منه ، أن يَعهَدَ كلُّ مصرفٍ (متخصصاً كان أم تجارياً) بفحص حساباته سنويّاً ، إلى مراجعَين قانونيَّين ، تختارهما الجمعية العمومية للمصرف من بين المقيدين في جدول المحاسبين والمراجعين المشتغلين المقيدين في سجل مكاتب المراجعة القادرة على مراجعة وفحص حسابات المصارف ، والقانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن ضرائب الدخل أوجب في المادة 49 والمادة 71 منه أن تُقدِّم الشركات الوطنية وكذلك فروع الشركات الأجنبية في ليبيا أياًّ كان نوع نشاطها أو غرضها إقراراً بدخلها السنوي مُعتمداً من محاسب ومراجع قانوني مُقيد في جدول المحاسبين والمراجعين الليبيين المشتغلين ، كما أن القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري ألزم في المادة 18 منه جميع الشركات المنظَّمَةِ بأحكامه بأن تُعيِّن مراجع حساباتٍ خارجيٍّ أو أكثر من بين الأشخاص المرخَّص لهم بممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة ، وورد في المادة المشار إليها أنه " يُعتبر التقرير الصادر عن مراجع الحسابات الخارجي وكذلك الميزانية والحسابات الختامية المراجعَةِ من قبله صحيحاً وحجةً أمام الغير إلى أن يثبت العكس." وهكذا ، وباختصار ، فإن القوانين النافذة أوجبت أن تتم مراجعة حسابات المصارف والشركات الوطنية وفروع الشركات الأجنبية من قبل محاسب ومراجع قانوني ليبي من بين المقيدين في جدول المحاسبين والمراجعين المشتغلين لتكون لها الحجية القانونية كما اشترطت لقبول إدارة الضرائب إقراراتها بدخولها الخاضعةِ للضريبة أن تكون معتمدةً من قبل محاسب ومراجع قانوني ليبي من بين المقيدين في جدول المحاسبين والمراجعين المشتغلين.
ولئن حُقَّ لنا أن نفاخر نحن المحاسبين والمراجعين الليبيين بأن نقابة المحاسبين والمراجعين هي أول تنظيمٍ مدني صدر في شأن تكوينه قانون خاص هو القانون رقم 116 لسنة 1973 بشأن تنظيم مهنة المحاسبة والمراجعة في ليبيا ، فإننا نعلم أن هذه النقابة ليست مجرد كيان يجمع شمل ممتهني مهنة المحاسبة ومراجعة الحسابات ويُعنى فقط برعاية حقوقهم وبيان واجباتهم وتنظيم سلوكهم وتأديبهم بل هي المهنة الفعالة حقاً في حماية المال العام والخاص ، وحاجة المجتمع إلى خدمات هذه النقابة تفوق حاجة منتسبيها إليها ، ولذلك ، ولئن كنا على قناعة بأن هذه النقابة موجودة ، فإن ضمان استمرار وجودها لا يعنينا نحن أعضاؤها فقط ، فعديد الجهات التي يهمها تأكيد مصداقية وعدالة ووضوح ومطابقة البيانات المالية الختامية التي تُقدم إليها للتشريعات النافذة ، ومن بينها على سبيل المثال وليس الحصر ؛ مصرف ليبيا المركزي وشركة سوق الأوراق المالية وإدارة الضرائب ، جميعهم معنيون كذلك بالتأكيد على استمرار وجود هذه النقابة بل ومتابعة تفعيل دورها .
لا أجادل في مسألة وجود النقابة رغم عدم استثنائها من قرار التجميد ، وأرى أنه مما لا اختلاف عليه أن هذه النقابة بحاجة إلى إعادة بناء قيادتها على نحوٍ يؤمل معه مستقبلاً مباشرتها مهامها وأدائها دورها المنوط بها تجاه أعضائها وكذلك تجاه المجتمع ، والخطوة الأولى في عملية إعادة البناء تبدأ من انتخابِ مجلسٍ لإدارة النقابة ذلك أن الأمانة العامة الحالية عدا عن كونها تم اختيارها على غير السياق الذي نص عليه قانون إنشاء النقابة تنفيذاً لتعليماتٍ وتوجيهاتٍ صدرت عما كان يُسمى أمانة مؤتمر الشعب العام فإنها تعتبر منتهية عملياً بفعل ثورة السابع عشر من فبراير سواءٌ صدر قرار المجلس الوطني الإنتقالي بذلك أم لم يصدر وحتى بفرض شرعية وجود هذه الأمانة فهي ليست المجلس الذي أوكل إليه القانون إدارة النقابة
علينا إذن ، نحن أعضاء هذه النقابة ، أن نعدَّ العدة للإجتماع في هيأة جمعية عمومية تمارس دورها بديمقراطية وحيوية وشفافية لانتخاب مجلسٍ للنقابة يتمتع أعضاءه بالحرية ولا يقبلون الوصاية عليهم ولا يطلبون الرعاية من أي جهة اعتبارية أو طبيعية بما يكفل لهم التعبير بمنتهى الأمانة عن رأيهم فى مدى تعبير البيانات المالية التي يقومون بمراجعتها بعدالة ووضوح عن المراكز المالية للوحدات الإقتصادية التي روجعت من قبلهم وعن نتائج نشاطها ومدى مطابقة عمليات تلك الوحدات للقوانين النافذة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق