ذاكرة الأيام – 14
وامستنصراه
ذكر أول من سكن
طرابلس في قديم الزمان
بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه
تكملة الحلقة الثالثة من تاريخ إخواننا الأمازيغ
يقول أحمد بك النائب الانصاري الطرابلسي في كتابه : المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب" الناشر مكتبة الفرجاني طرابلس (1963).
أول من سكنها في قديم الزمان على ما نقله الإخباريون أمم من الفينيكيين ثم الرومان في أوائل القرون المسيحية ثم الوندال وهم من جنس الجرمان وفي سنة (530) ثلاثين وخمسمائة استولى عليها أمم من اليونان حتى تغلبت عليهم البرابرة واستوطنوها إلى أن جاء الله بالإسلام والفتح. وأن هؤلاء البرابر جيل وشعوب وقبائل أكثر من أن تحصى. وكان سبب مسيرهم إليها وإلى غيرها من المغرب أنهم كانوا بنواحي فلسطين من الشام وكان ملكهم جالوت، فلما قتل سارت البرابرة وطلبوا المغرب وانتهوا إلى "لبية" و "مراقية" كورتان من كور مصر. فسارت (زناته) و (مغيله) وهما قبيلتان من البربر إلى المغرب وسكنوا الجبال. وسكنت قبيلة السوس الأقصى. ونزلت (هواره) مدينة لبدة. ونزلت (نفوسه) مدينة صبره، وجلا من كان بها من الروم لذلك. وأقام (الأفارق) وهم خدمة الروم وبقيتهم على صلح يؤدونه إلى من غلب عليهم إلى أن كان صلح عمرو بن العاص. وأما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنهم من (حميْر) ومثل هواره يزعمون أنهم من (كندْة)، ومثل زناتة يزعم نسابتهم أنهم من (العمالقة). ومنهم من يزعم أنهم من بقايا (التبابعة) وكان من قبل الإسلام وبعده رؤساء وفضلاء وحكماء وعلماء وأولياء وأفاضل. قال الفاضل ابن خلدون "ومن بطون (زناتة) زواوه، وزواغه وزواره، ودمر، وهراطيل، وبني توجين، وبني مغرا وبني يفرن، وبني ورشفانه، وبني باذين، وزليتن. وكانت مدينة صبره قبل الفتح من مواطنهم وتعزى إليهم وتعرف إلى هذا العهد بزواغه، وهي على مسيرة يوم من غربي طرابلس. وهي كانت باكورة الفتح لأول الإسلام وخربها العرب بعد استيلائهم عليها فلم يبق منها إلا أطلال ورسوم خاوية. وأما (نفوسه) فهم بطن واحد تنسب إليه نفوسه كلها وكانوا من أوسع قبائل البربر. فيهم شعوب كثيرة مثل بني زمور، وبني مكسور، وكانت مواطن جمهورهم بجهات طرابلس وما إليها. وهناك الجبل المعروف بهم وهو على ثلاثة مراحل من قبلة طرابلس يسكنه الآن بقاياهم ومن إخوتهم بنو ضرا، وبنو لوا، ويقال لجميعهم البربر البتر.
ومن بطون (هواره) مغرا، وزمور، وكابو، وفساطو، ومعدان، ونداوه، ومليله، وغريان، ومسلاته، وترهونه، وتاورغا، وزكامْ، وسيلين، ويقال لجميعهم (لهانه بنو لهان). وكان ظواغن واهلين توزعهم العرب من ذباب فيما توزعوه من الرعايا وغلبوهم على أوطانهم فتملكوهم تملكّ العبيد للجباية منهم والاستكثار منهم في الانتجاع والحرث ومن ...(هواره) هواره هولاي، مما يلي بلد سرت وبرقة، قبيلة تعرف بمصراتة لهم كثرة واعتزاز ووضايع العرب عليهم قليلة ويعطونها من عزة. وكثيراً ما ينتقلون في سبيل التجارة ببلاد مصر والإسكندرية. ومن (هواره) هولاي بقصور غدامس على عشرة مراحل من قبلة طرابلس وكانت مختطة منذ عهد الإسلام وهي خطة مشتملة على قصور وآطام عديدة بعضها لبني (ورتاجين) وبعضها لبني (وطاس) من احيا بني مرين، ويزعمون أن اوليتهم اختطوها. وهي لهذا العهد قد استبحرت في العمارة، واتسعت في التمدن بما صارت محطاً لركاب الحج من طرف السودان وقفل التجار إلى طرابلس عند إراحتهم من قطع المفازة ذات الرمال المعترضة أمام طريقهم دون الارياف والثلول، وباباً لولوج تلك المفازة. ومنهم قطع الرمال فيما يلي بلاد (كوكوا) من السودان تجاه إفريقية ويعرفون بنسبتهم (حكاره) بكاف معجمة تخرج بين الكاف العربية والقاف. ومنهم بمصر اوزاع متفرقون أوطنوا بها وآخرون موطنون ما بين برقة وإسكندرية يعرفون (بالمثانية ظواعن) مع عرب بني سليم في اللغة والزي قد نسوا رطانة البربر واستبدلوها بفصاحة العرب.
يقال إن (افريقس) بن قيس من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وإفريقية وقتل الملك (جرجيس) وبنى المدن والامصار وباسمه زعموا سميت إفريقية لما رأي هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلاطها وتنوعها تعجب من ذلك وقال "ما أكثر بربرتكم" فسموا (بالبربر). والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير المفهومة. ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة. و (أفريقي) بفتح الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء وسكون الياء المثناة من تحت وسكون القاف وفتح الياء المثناة من تحت وهي أخرها. وقال ابن خلكان : " (افريقية) بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء وسكون الياء المثناة التحتية وكسر القاف وفتح الياء المثناة التحتية وبعدها هاء آخر الكلمة: اسم لأرض من أراضي المغرب تشتمل على مدن وقصبات وقرى كثيرة أكثرها من اوسط المغرب وبعضها من أوايلها، قاعدتها في الإسلام القيروان ومدنها المشهورة طرابلس الغرب. وقصر أحمد أخرها من جهة الشرق وأول حدها برقة." ولم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل وإلى الإسكندرية عامرة بهذا الجيل من بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها. وكان دينهم دين المجوسية إلا في بعض الأحايين يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم أهل الدول العظيمة الذين كانوا يتغلبون عليهم. فقد غزتهم ملوك اليمن مراراً على ما ذكر مؤرخوهم فاستكانوا لغلبهم ودانوا بدينهم. ذكر ابن الكلبي: إن حميراً أبا القبائل اليمانية ملك الغرب ماية سنة وقد صبحهم الإسلام وكانوا تحت ملك الإفرنج وعلى دين النصرانية الذي اجتمعوا عليه مع الروم وكان أصحاب طرابلس ولبده وبرقه يؤدون الجباية لهرقل ملك القسطنطينية (التي هي كانت بيزنطة) حتى كان الفتح. وفي انقطاع بعض الأخبار وعدم الوقوف على تفاصيل بعضها دليل واضح على حدوث حوادث حدثت من الحروب والتغلب بالقوة والمال المفضي إلى التفريط في الضبط والحفظ ووقوع الخلاف والتغيير والتبديل بحسب الأغراض الموجبة للخلل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق