ذاكرة الأيام –
14
14
وامستنصراه !!
الحلقة الرابعة من تاريخ إخواننا الأمازيغ
ويروى لنا التاريخ ما يلي :
لما كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجّه جيشاً بقيادة عمرو بن العاص وفتح مصر والإسكندرية ثم سار ذلك الجيش إلى برقة سنة 21 هجرية فصالح أهلها على جزية يؤدونها ولم يقع حرب في برقة ولم تفتح عنوة ثم سار ذلك الجيش إلى طرابلس وحاصرها شهراً.
وكان يحيط بها سور يمنع المهاجم من دخولها، فانضم ماء البحر في بعض الأيام وانكشف السور من جانب البحر (بتأثير عملية المد والجزر) وشاهد بعض المسلمين ذلك المكان فدخل البلاد من بين البحر والسور سبعة نفر يرأسهم رجل من بنى "مدلج" فلم يكن للروم ملجأ إلا سفنهم وارتفع الصياح في المدينة فأقبل جيش المسلمين فدخل المدينة ولم يفلت الروم إلا بما خفّ في المراكب ثم عطف جيش المسلمين على مدينة صبراتة فهجم جيش المسلمين على المدينة واقتحموها عليهم وفتحوها عنوة، ولما انتهى جيش المسلمين من احتلال طرابلس وصبراتة رجعوا إلى برقة واشترط عمرو بن العاص على أهلها ثلاثة عشر ألف دينار جزية وكان أكثر سكان برقة حينئذ من "لواته" وسكان أهل طرابلس وصبراتة من نفوسه وكلتا القبيلتين من "البتر" ولم يحصل منهما في ذلك الفتح إسلام !
ثم جاءت خلافة عثمان بن عفان، وغزا عقبة بن نافع إفريقيا يعني تونس وما جاورها وصالحه أهلها ولم يستطع التوغل في المغرب لما بلغه من كثرة أهله وشدّة بأسهم وعدم وجود الجيش الكافي معه فرجع نحو المشرق ينتظر المدد من الخلافة .
وكان عبد الله بن ابى سرح قد استأذن الخليفة عثمان في الخروج إلى إفريقيا (تونس) فاستشار عثمان الصحابه فأشاروا بذلك وجّهز جيشاً من العسكر من المدينة المنوره كان من بينهم الحسن والحسين رضي الله عنهما وجماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وابن عمرو بن العاص وابن جعفر وابن الزبير رضي الله عنهم، وكان ذلك في العام 26 هـ ، فالتقوا بعقبة بن نافع ومن معه من المسلمين في برقة وساروا معه إلى تونس واحتلّوها وبنى فيها أو بالقرب منها عقبه بن نافع مسجد القيروان وعاد إلى الشرق.
عندما استقر الحكم لبني أميّه وتوقف الاضطراب، رجع عقبه إلى القيروان، وكان البربر قد نكثوا العهد في مدته الأخيرة فغزاها بعد رجوعهم عن الإسلام ودوّخ جميع البلاد وخضع له جماعة البربر ولم يزل كذلك إلى أن وصل المحيط الأطلسي ودخل فيه بفرسه ودعا دعاءه الشهير الخالد، ثم كرّ راجعاً وأرسل جيشه أمامه ولم يبق معه سوى ثلاثمائة صحابي، وكان يظن بعد فتوحاته أن البلاد استكانت.
كسيله يستعد للكرّ على المسلمين :
لما رأى كسيله عظيم البربر ووصله نبأ قلّة الجيش الذي مع عقبة بن نافع فإنه جمع البربر وربط الطريق لعقبة والتقى الجمعان في مكان يسّمى "الزاب" وكان ذلك في العام 62 هـ فثبت المسلمون وقاتلوا كالأبطال ولم يتزعزعوا حتى استشهد أكثرهم واتّخذ بعضهم أسيراً، ومدافن أولئك الشهداء في أرض الزاب معروفه لهذا اليوم وقد جعل على قبورهم "أسّنة" ثم "جصّصت" أي طُليت بالجير أو الكلس واتخذ من المكان الذي دفن فيه عقبة ومن معه مسجداً عرف باسم مسجد عقبة، وهو في عداد المزارات ومظانّ البركات، أما الأسرى فقد فداهم ابن "مصاد" صاحب قفصه، وبعث بهم إلى القيروان .
بعد انتصار كسيله في الموقعة المتقدمة عزم على غزو القيروان فبلغ ذلك المسلمين وعقدوا مجلساً لأخذ الرأي فقال زهير البلوي :
يا معشر المسلمين قد دخل أخوانكم الجنةّ فاسلكوا سبيلهم أو يفتح الله عليكم، عند ذلك خالفه حنش بن عبد الله الصنعاني قائلاً بأنه لا طاقة للمسلمين بما داهمهم من جيش كسيله، وأن النجاة بالمسلمين أولى ونادى في الناس بالرحيل فرحل معه الكثير وبقى زهير في أهل بيته إلى أن اضطر إلى الخروج، وسار الجميع إلى برقة وأقاموا بها مطلّين على المغرب ينتظرون المدد من الخلفاء وكانت الخلافة أيامها في اضطراب بين بنى اميّه، فانتظر زهير سبع سنين في برقه (درنة بالأحرى) حتى تم الأمر لعبد الملك بن مروان فبعث بالمدد والجيش إلى زهير بن قيس بمكانه في درنة وفوضّ إليه ولاية إفريقيا (يعني تونس وما جاورها) وفور وصول هذا المدد من العسكر سار به زهير إلى القيروان عام 69 هـ .
دخول زهير ومقتل كسيله في القيروان :
التفى الجمعان واشتد القتال والطعن والنزال بين جيوش كسيله وزهير، حتى يئس الناس من الحياة واستمرت تلك الحال معظم ساعات اليوم ثم نصر الله المسلمين وقتل كسيله وجماعة من أعيان جيشه وتفرقت جموعه. وعاد زهير للقيروان ولما رأى أن الوضع بإفريقيا قد استقر وأصبح آمناً ومنيعاً، ترك بالقيروان عسكراً من المسلمين وهم آمنون وتوجه إلى الشرق قاصداً مكان الخلافة .
استشهاد زهير:
لما علم الروم ذهاب زهير إلى تونس اغتنموا الفرصة وخرجوا في مراكب كثيرة وقوة عديدة من جزيرة صقيلة وأغاروا على برقة فأصابوا منها سبياً كثيرا فقتلوا ونهبوا ووافق ذلك قدوم زهير من تونس إلى درنة. ولما وصله نبأ احتلال الروم لبرقة أمر عسكره وكانوا قليلا فأسرعوا في السير إلى الروم ورحل هو ومن معه.
كان الروم خلقاً كثيرا، فلما رأى المسلمون زهيراً استغاثوا به فتقدم وباشر القتال بنفسه واشتد الأمر وعظم الخطب وتكاثر الروم على المسلمين فقتلوا زهيراً وأصحابه ولم ينج منهم أحد وعاد الروم بما غنموا إلى القسطنطينية (تركيا) حيث كانوا يحكمون هناك، وكان استشهاد زهير ومن معه سنة 76 هـ .
وقال السيد محمد كبير المكاوي أن زهيراً ومن معه نزلوا لقتال الروم في مدينة درنة من العقبة الشرقية ولا تزال قبورهم تعرف الآن بقبور الصحابه ويوجد ضريح خاص بزهير القائد وتقع هذه القبور في محلة بو منصور في مدينة درنة. كان هذا في العام 76 هـ .
وقد أثر على عبد الملك بن مروان موت زهير وحزن حزناً عظيماً.
أما البرابره الذين تركهم زهير خاضعين فقد ارتدوا ونكثوا العهد وقادتهم امرأة تدعى الكاهنة داهيه التي غضبت غضباً شديداً لموت كسيله وهجمت يجيش كثير من البرابره (أي الأمازيغ) على تونس وما جاورها وفعلت بأهلها أقبح الأفاعيل وظلمتهم الظلم الشنيع ونال من بالقيروان من المسلمين أذى فوق التصوّر، فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أرسل إلى إفريقيا أي تونس حسّان بن النعمان، ومعه جيش كبير سار قاصداً الكاهنه. وتقابل العسكران واقتتلا قتالاً مريرا انهزم فيه المسلمون وقتل منهم عدد كثير وعاد حسان منهزماً ببعض جيشه الذي نجا من تلك المعركة واستقر ببعض النواحي في برقه وابتنى قصوراً بغربي خليج سرت (بالقرب من مصراتة) لا تزال للآن تدعى "قصور حسان"
مقتل داهيه الكاهنه :
لما وصل خبر انهزام جيش المسلمين أمام جيش الكاهنه أعدّ عبد الملك بن مروان جيشاً كثيفاً وأرسله إلى حسّان سنة 77 هـ وأمره بقتال الكاهنه، وعندما انسحب حسان من برقه بجيشه وتوجّه صوب المغرب أخذت الكاهنه في حشد الجنود وتهيأت للقتال .
وأول عمل شرعت فيه هو تحطيم المدن والقرى وهدمها وقالت أن العرب لا يرغبون إلا الغنائم فإذا لم يجدوا مدناً يأوون إليها رجعوا عنها. ومما قيل إنها هدمت في ذلك العمل مائة ألف مدينة وقرية.
وكان المغرب قبل ذلك كله متصّلاً بالمدن والزراعة فخرّبته جميعاً قبل وصول جيش المسلمين (تماماً كما بث الطاغية مناطق البريقة وما جاورها والجبل الغربي عشرات الألوف من الألغام المضادة للأفراد قبل وصول المشاة من جيش التحرير وكان ضحاياه الجرحى بالآلاف)*.
تقدم حسان بجيشه متقابلاً بجيش الكاهنه، أفضى بعد قتال شديد إلى انهزام جيش الكاهنه وقتلت في هذه الموقعة.
رجع حسان بعدها إلى القيروان أو عاد من فوره إلى دار الخلافة واستخلف على تونس رجلاً اسمه أبو صالح .
ما زلنا بصدد الحديث عن الأمازيغ وأصولهم ونشاطاتهم خلال زهاء ثلاثة قرون :
وفي تطور ذلك قامت الدول الفاطمية – أثناء وجود الدولة العباسية – وقيام هذه الدولة أي الفاطمية إن دل على شيء فإنه يدل على قرب نهاية دولة العرب لأن الأمة التي تنقسم على نفسها يكون في ذلك علامة على قرب نهايتها، وأول من قام بتفرقة المسلمين هم بنو أميّه لكنهم وسّعوا رقعة الإسلام .
وأول القائمين بها في المغرب سنة 297 هـ هو عبد الله بن المهدي، وقال النسابون : هو محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن محمد بن على بن الحسين بن ابى طالب. وقد أرسل عبد الله المهدى ابنه أبا القاسم سنة 301 هـ لفتح مصر فاستولى على برقه وملك الإسكندرية والفيوم وصار في يده أكثر البلاد فسيّر له المقتدر العباسي أحد قواده، مؤنس، فهزمه وأجلاه عن مصر.
ولما ارتقى المعز لدين الله الفاطمي أريكة الحكم بالمهدية (بتونس) عام 349 هـ، أرسل أحد أشهر قواده، جوهر الصقلّى وجرد له جيشاً يزيد على مائة ألف محارب من شجعان كتاعه عام 358 هـ ومعه 1200 صندوق من المال. وعند مرور جوهر القائد بطرابلس وهي حينئذ تابعة لتونس- قابل الطرابلسيون القائد جوهر بأعظم تبجيل وأوفر إكرام، فأهداهم ناقة محمّلة بالنقود فاختار الطرابلسيون بناء مسجد بذلك المال تخليداً لذكرى القائد الكبير وسمّوه مسجد الناقة ولا يزال معروفاً بهذا الاسم .
ولما وصل جوهر القائد إلى برقه أخذ معه قبيلة زويله من برقة. وحسب ما جاء في نهاية الأرب لصاحبه النويري :
زويله هم أهل برقه ومنهم الطائفة التي دخلت مصر صحبة القائد جوهر وهم المعزى إليهم باب زويله وحارة زويله بفتح الزاء واللام – بالقاهرة . وخط جوهر الصقلى مدينة القاهرة والجامع الأزهر.
وبعد أن تم له ذلك أرسل إلى المعز الفاطمي يخبره بذلك فانتقل المعز الفاطمي من المهديه بتونس سنة 362 هـ متوجهاً إلى مصر وبقيت برقه ولاية ضمن ولايات الدول الفاطمية يبعثون الولاة من مصر مقر الفاطميين حينئذ .
* والمبتورى الأوصال والمشوهين بالآلاف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق