النهوض بالوطــــن
بقلم: محمد بشير البرغثي
محاسب ومراجع قانونياذا كانت النتيجة الحتمية التي نتوق إليها تتلخص في النهوض بهذا الوطن ، فإننا يجب أن نُدرك أننا لا نستطيع أن نوجد مجتمعًا أقوى من مجموع أفراده وأن النهوض بالوطن يقتضي على نحوٍ ما أن ينهض كلّاً منا على صعيده الشخصي ، ما يتطلب من كلٍّ منا أن يرسم هدفاً أو أهدافاً يسعى إلى تحقيقها لأن ذلك هو ما يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غدًا ، وهو ما سوف يساعدنا على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة ويجعلنا في حالة دائمة من اليقظة والإقتدار على التكيف المطلوب مع المعطيات التي تشكل المحيط الحيوي لوجودنا والتي لا تكاد تستقر على حال ، وفي ذات الوقت ، علينا أن نُدرك أن من أسباب ضبابية أهدافنا أننا لا نبذل جهدًا كافيًا في تحديدها، وهذا لا يؤدي إلى انعدام إمكانية قياسها فحسب ، وإنما يؤدي أيضًا إلى إدراكها بطريقة مبتذلة أو رتيبة ، ما يُفقدها القدرة على توليد الطاقة المطلوبة لإنجازها ، وما لم نُدرك ذلك ، فإن الغد لن يكون أفضل من الأمس ، ولأن الغاية التي نسعى للوصول إليها هي النهوض بالوطن من خلال النهوض بأنفسنا ، فإن الأهداف التي يضعها كلاًّ منا لنفسه يجب أن لا تتعارض مع الأهداف التي تضعها الجماعة لمجموعها ، وإذا توافقت أهداف كلٍ منّا في عمومها مع أهداف الآخرين ، فإننا سوف نكون جماعةً تؤثر أكثر مما تتأثر ، تفعل أكثر من مجرد رد الفعل ، تُعطي للحياة أكثر مما تأخذ منها .
سنعمل الكثير من أجل أهدافنا إذا أدركنا أننا عن طريق الإلتقاء حول أهدافٍ مشتركة تتم الصياغة النهائية لوجودنا.
إن مجمل أهدافنا في الحياة ، تعادل على نحو تام (استراتيجية) العمل لدينا إن كأفرادٍ أو كجماعة ، وحتى لا تختلط عوامل البناء في حياتنا مع عوامل الهدم ، وحتى لا تنسخ أهدافنا بعضُها بعضَها الآخر ، فإنها ، يجب أن تكون مشروعة لا تتقاطع مع نص قطعي أو سنة مؤكدة في المعاملات والأحوال الشخصية على وجه الخصوص ، ويجب أن تكون واضحة ومحددة قابلة للقياس وقابلة للكشف عما أنجز منها وما لم ينجز.
فماهي أهدافنا التي نسعى إلى بلوغها ، وكيف يمكن لنا أن نعمل من أجل تحقيقها ؟
إننا نتطلع أفراداً وجماعات إلى استتباب الأمن وتحقق الحرية والعدالة والديموقراطية ، وهذه الأهداف في مجملها ولئن كانت أهدافاً مشروعة وواضحة ، فإنه من غير المتصور تحقق واحدٍ منها من دون تحقق الأهداف الأخرى ، وحتى يتسنى لنا أن ندرك مدى توقف كلٍّ منها على الآخر وارتباط كلاً منها بالأهداف الأخرى ، فإننا نعرض بإيجازٍ لهذه الأهداف ، كلاً على حده :
- الأمن :
· بناء جيش وطني قوي عقيدته الدفاع عن الوطن وحماية مكتسبات الشعب .
· بناء جهاز أمن وطني عقيدته حماية أمن المواطن والمحافظة على ماله وعرضه.
· دمج أفراد الجماعات المسلحة في وحدات الجيش الوطني أو في أجهزة الأمن الوطني أو تمكينهم من العودة للمجتمع المدني بالنسبة لمن لا يرغب في الإنخراط في الجيش أو في الأمن .
· تحقيق مصالحة وطنية حقيقية ، تحتكم فى رد المظالم وإكتساب الحقوق ، إلى القضاء العادل.
· مكافحة الفساد فى مختلف إدارات الدولة وفقاً لقوانين تصدر عن السلطة التشريعية ووفقاً لإجراءاتٍ تكفل عدم التعسف في تطبيق القانون.
- الحرية :
· حرية الإعتقاد من دون الإخلال بالنظام العام أو بالآداب العامة .
· حرية الفكر وإذاعة الرأي بجميع الطرق والوسائل من دون الإخلال بالنظام العام أو بالآداب العامة .
· حرية استعمال غير اللغة الرسمية للدولة في المعاملات الخاصة أو الأمور الدينية أو الثقافية أو الصحافية أو في الإجتماعات .
· حرية تكوين الجمعيات السلمية وتنظيم الإجتماعات والمظاهرات السلمية في حدود القانون.
· عدم الإرتباط التنظيمى أو المالى بأي جهة غير وطنية أو بناءً على أوامر أو توجيهات من أيِّ دولةٍ أو من أيِّ جهةٍ خارجيةٍ.
- العدالة :
· تخصيص نسبة من إيرادات الموارد الطبيعية التي تكون ملكيتها عامة لتطوير المنطقة التي تُكتشف فيها تلك الموارد.
· المساواة في الواجبات والتكاليف العامة من دون تمييز بسبب القبيلة أو النسب أو اللغة أو الثروة أو الآراء السياسية والإجتماعية .
· يكون شغل الوظائف القيادية (السياسية والإدارية والإقتصادية) في الداخل والخارج وفقاً لمواصفات ومعايير تعيين محددة تتبنى الجدارة والكفاءة والأهلية والقدرة ، وتتجنب الإحتكار الجهوي أو الإقليمي أو الفكري .
· بناء دولة الشراكة الإقتصادية الحقيقية بين قطاع خاص حر وقطاع عام غير مسيطر.
· الإلتزام بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين عند تولى المسؤولية أو عند المشاركة فيها.
- الديموقراطية :
· الإلتزام بأحكام الدستور واحترام سيادة القانون.
· يقوم الدستور الدائم على أساس التعددية السياسية فكراً وتنظيماً ، ويكفل تداول السلطة سلمياً بشكل ديموقراطى عبر صناديق الإقتراع من دون استخدام أيِّ شكلٍ من أشكال القوة أو الترهيب أو الترغيب .
· خلق أسس ثقافة الحوار واحترام الرأى الآخر للوصول إلى حوارٍ مثمرٍ وتنمية قدرات المواطنين على فهم آلياته بروح ديمقراطية بناءة ، والتأكيد على أن الحوار لا يكون بين متفقين بل قد يكون بين مختلفين وأحياناً بين خصوم.
· إقرار نظام اللامركزية في إدارة الدولة الديمقراطية.
· الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية ، وتحقيق التوازن بينهما ، وضمان استقلالية القضاء .
· قبول القبيلة كمظلة اجتماعية وليس كوحدة سياسية.
هكذا إذاً ، نتطلع جميعاً ، أفراداً وجماعات ، شيباً وشباباً ، ذكوراً وإناثاً ، إلى إقامة دولةٍ دستورية ديمقراطية يتم تداول السلطة فيها سلمياً ، دولة مؤسساتية تسعى إلى إقامة العدالة الإجتماعية والإقتصادية والمساواة وتعمل على إستتباب الأمن والتعايش السلمي وتجعل من القضاء النزيه الذي لا سلطان عليه إلا للقانون الفيصل في فض النزاعات ، دولة تبذل كل الجهد إلى تقوية اللُّحمةِ الوطنية ونبذ الجهوية وتُقدِّر دور القبيلة كمظلة إجتماعية دون إعتبارها أو إتخاذها أساساً لفرز واختيار ممثلي الأمة أو تولِّي الوظائف العامة ، وهذه الأهداف النبيلة تحتاج ، ليس فقط ، إلى سنِّ تشريعٍ لمراعاتها والعمل على غرسها في ضمير الأمة ، بل تحتاج إلى مواطنٍ يؤمن بها ويقدِّسها ويناضل من أجل تحقيقها ويدافع عنها بصوتٍ مُرتفع وأمام الكافة ، ونعتقد أن ذلك يمكن أن يتحقق عن طريق إقامة المؤسسات المدنية التي يكون هدفها كما سبق القول جعل المواطن يتبنى الدفاع عن مباديء وأهداف الثورة ، ذلك أننا على يقين من أنه إذا انبعث من بين أفراد المجتمع الليبي مؤسسات مدنية تعمل وتحث على اعتناق هذه الأهداف وتعمل من أجل تحقيقها فإننا لا شك سوف نبني في القريب العاجل صرح دولة الأمن والحرية والعدالة والديموقراطية بناءً راسخاً متيناً أُسوة بشعوبٍ وأُمم سبقتنا إلى ذلك في الغرب وفي الشرق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق