الخميس، أكتوبر 27

متابعات صحفية


القذّافي ضحية ان لا احد اكبر من بلده!
القذّافي رفض بكل بساطة ان يأخذ علما بان كل الفرص اتيحت له من اجل اعادة تأهيل نفسه ونظامه،
لكنه لم يستطع التخلص من عاداته القديمة. لم يعرف اين يجب ان يتوقف.
نقلا عن : ميدل ايست أونلاين
بقلم: خيرالله خيرالله
ما حصل كان اعداما لمعمّر القذافي. كان من الافضل ان يحاكم لتأكيد ان ليبيا الجديدة ستكون دولة قانون اوّلا.
 كانت نهاية دموية ومأساوية لحاكم نزق وجاهل رفض ان يتعلّم شيئا من التجارب التي مرّ بها شخصيا
وتلك التي تعرّض لها بلده. لم يكن معمّر القذافي يتصوّر يوما انه سينتهي بالطريقة التي انتهى بها. كان يعتقد
 في كلّ لحظة انه دجّن شعبه الى درجة لم يعد فيها هذا الشعب قادرا على العيش من دونه. اكتشف القذّافي،
بعد فوات الاوان طبعا، انه لا يمكن ان يكون هناك زعيم اكبر من شعبه او اكبر من وطنه... وان هناك حياة
 لليبيا ولشعبها من دون معمّر القذّافي. "ما في حدا اكبر من بلده" كان يردد الرئيس رفيق الحريري، شهيد
لبنان بكل طوائفه ومناطقه وشهيد العرب الصادقين والشرفاء حقّا الذين رفضوا دائما المتاجرة بشعوبهم
وبلدانهم...
انتصر الشعب الليبي على "القائد" الذي حاول الغاء ليبيا من الوجود. الغى حتّى العلم الليبي وكأنّ التاريخ بدأ
به. حوّل ليبيا الى "جماهيرية". ظنّ انه يستطيع ان يكون كلّ شيء واختزال بلد بكامله في شخصه بمجرد
امتلاكه المال، وهو مال ليبيا والليبيين... الى ان تبين ان كلّ حساباته كانت خاطئة. هناك ولادة جديدة لليبيا.
 السؤال الآن هل يكون الليبيون في مستوى الحدث وفي مستوى استعادة بلدهم وعلمهم وثرواتهم؟
ارتكب القذّافي كل الاخطاء التي يمكن ان يرتكبها حاكم. آمن اوّلا
، وربّما اخيرا، بان في استطاعته البقاء في السلطة الى ما لا
نهاية عن طريق سياسة الغاء الآخر جسديا. بفضل المال وكلّ
انواع القمع والعنف، بقي الرجل في السلطة اثنين واربعين عاما.
 لم يكن لديه معبود سوى معمّر القذافي، كما يقول عبدالرحمن
شلقم وزير الخارجية لفترة طويلة الذي كان بين الذين عرفوا
القذّافي عن كثب. لم يرحم معمّر القذّافي ابناءه الذين تربّوا على
 ان يكونوا خارجين عن القانون داخل البلد وخارجه و وان لا
تكون لديهم اي علاقة بالتواضع لا من قريب او بعيد. جنى على
اولاده الذي نسوا خلفية العائلة ونسوا خصوصا ان صفة
التواضع هي اهمّ ما يمكن ان يتمتع به الانسان، حتى لو كان
نجل زعيم يمسك بالسلطة عن طريق زرع الرعب في صفوف
 ابناء الشعب.
ساير المجتمع الدولي القذّافي طويلا. سايره الى درجة لم يكن
يتصورّها انسان عاقل. ولذلك لا بدّ من التساؤل لماذا انتهى
القذّافي بالطريقة التي انتهى بها؟ الجواب بكل بساطة ان العالم يكره الذين لا يريدون ان يتعلّموا شيئا من
 اخطائهم. القذّافي رفض بكل بساطة ان يأخذ علما بان كل الفرص اتيحت له من اجل اعادة تأهيل نفسه
ونظامه، لكنه لم يستطع التخلص من عاداته القديمة.
الاخطر من ذلك كلّه انه ظنّ ان في استطاعته ممارسة كلّ ما يريده مع اوروبا والولايات المتحدة في
 مقابل دفع الثمن المطلوب. كان محقّا في ذلك بدليل تقبيل رئيس الوزراء الايطالي يده والسماح له بالقاء
 خطاب امام الجمعية العامة للامم المتحدة آخذا كل الوقت الذي يريده متجاوزا كلّ الاعراف والاصول
 المتبعة. في مرحلة معيّنة، لم يكن مضطرا لان يتعلّم شيئا ما دام كان يدفع المترتب عليه. مرّت قلّة ادبه،
 عندما زارته وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، مرور الكرام. لم يوجد من يعاتبه على
طريقة تصرفه مع رايس التي تبيّن لاحقا انه كان معجبا بها الى حدّ كبير!
كان الغرب مستعدا لاسترضائه، حتّى عندما سجن رجل اعمال سويسريا بريئا ردا على التصرفات
 الغريبة لاحد انجاله في فندق من فنادق جنيف. اقلّ ما كان يمكن ان توصف به تصرفات هذا الابن
 الذي اعتدى بالضرب على خادمة العائلة في ارض سويسرية بانّها معيبة.
كان كلّ شيء مقبولا من القذّافي، بما في ذلك اذلاله لشعبه ولزواره من المسؤولين الاجانب، شرط
 ان يدفع. ولكن تبين في نهاية المطاف ان لا حدود لنزق القذّافي وغروره. وصل به الامر الى حدّ
 التغاضي عن الدفع. بكلام اوضح، اراد التمتع باذلال الغرب من دون ان يدفع. اعتقد ان ما مارسه
في ليبيا يمكن ان يمارسه خارجها وان في استطاعته حتى ان يخالف الاعراف والاصول مع بعض
العرب الذين دعموه في احلك الاوقات وسعوا الى مساعدته واخراجه من مأزق الحصار الدولي.
لم تكن هناك حدود لنزقه وغروره. تكمن مشكلته الاساسية في انه لم يعرف اين يجب ان يتوقف.
لم يتعلّم شيئا من الحصار الذي فرض عليه بعد كارثة لوكربي في مطلع التسعينات. ظن انه قادر
 دائما على شراء الوقت. لم يدرك ان الوقت لا يعمل لمصلحته وان الشعب الليبي لن ينسى انه ينتمي
 الى ليبيا وليس الى "الجماهيرية العظمى" التي لم تكن عظمى في شيء.
في كلّ الاحوال، كانت نهاية معمّر القذّافي نهاية طبيعية لشخص غير طبيعي. المؤسف، مرّة اخرى،
انه لم يرحم حتى افراد عائلته الذين ذهبوا ضحية نزقه وغروره وعجزه عن فهم ان التواضع اهمّ صفة
 يمكن ان يتمتع بها الحاكم... ايّ حاكم. تغيّر العالم، لكن القذّافي لم يتغيّر. كان يعتقد ان المجتمع الدولي
معجب بعبقريته. نسي ان كلّ ما في الامر ان لعبة المصالح لا ترحم وانّ الاعجاب كان بحقول النفط الليبة
 القريبة من اوروبا وبجودة النفط الليبي وعائداته لا اكثر!
هل كان مسموحا لحاكم مثل معمّر القذافي ان يتمتع باذلال الغرب... من دون ان يدفع المتوجب عليه؟
خيرالله خيرالله

ليست هناك تعليقات: