الخميس، سبتمبر 8

كتابات من الوطن

د. إبراهيم قويدرثقافة 42 عام

د. إبراهيم قويدر


عاش أفراد المجتمع العربي الليبي ذكورًا وإناثًا 42 عامًا على ثقافة مبرمجة وممنهجة في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاداريه، مظهرها العام الفوضى في كل شيء، وانهيار الأخلاق وسلوكيات التعامل وتشتُّت الأفكار، ولا تستطيع أن تفهم أو تدرك طلاسم هذه الثقافة إلى درجة أنها وصفت لنا بـ"الفوضى الخلاقة" .

سبحان الله لهذا التلاعب بالألفاظ والعبارات.. عشنا ونحن لا يذكر في إعلامنا إلا اسم رجل واحد مصحوبًا بكل الألقاب التي تنم عن العظمة والتأليه والعياذ بالله، عشنا أيضًا ونحن نرى حتى الحوائط الجامدة قد يكون لها آذان تسمع بها، فكان الخوف والرعب هو الطابع الأساسي لحياتنا.. عشنا ونحن نرى الظلم ولا نستطيع أن نحد منه، نراه في انتهاك الملكية الخاصة، ونراه في تأميم ما أحله الله، ونراه في انتهاكات للعرض وتفسخ في الأخلاق وفساد لم يسبق له مثيل قد استشرى بين الناس.

عشنا نسمع في الإعلام نشراتٍ وأحاديثَ لا تمت للواقع بصلة، إعلام كاذب تسيطر عليه عقلية "لا شيء"، قد يكون فيه إيحاء ولو بسيط من قريب أو بعيد، أو ربما غير مقصود للسدة العالية القائد، فهو جرم وتعدٍّ وخيانة عظمى وكفر بمقولات الكتاب الأخضر.

عشنا كيف يتم اختيار الأمناء الصغار في البلديات بكولسات واجتماعات في المرابيع من قبل أعضاء اللجان الثورية المهمِّين في كل بلدية، ويكون من بينهم، ويدعوهم وينظم أجتماعهم أحد رجالات مكتب اللجان الثورية بطرابلس، وتوضع الأسماء ويتم اختيارها شعبيًّا وعلى مستوى اللجنة الشعبية العامة، كان كشف الأسماء يُملى بالتليفون لأمانة مؤتمر الشعب العام، وتعلن اختيار الحكومة برفع الأيدي..

عشنا ونحن نعلم عِلم اليقين أنه منذ 1977 وكل من سمو أمناء للجنة الشعبية العامة ليسوا برؤساء وزراء، بل هناك رئيس وزراء فعلي وراء الكواليس، والباقي كلهم صور تنفيذية لهذا الفعلي، سابقًا كان "جلودًا" وفى السنوات الأخيرة "سيف".

عشنا ونحن نعرف أن الأمناء في بلادنا ليسوا أمناء وليسوا وزراء في الوقت نفسه، فهم موظفون ينفذون التعليمات، منهم من عمل خيرًا وقام بواجبه، ومنه من تهوّر وانزلق في أثناء تأدية الواجب ودخل في ممرات وسراديب الفساد.

عشنا ونحن نعلم أن الأكثر فسادًا من أعضاء الحكومة هم البعض من الضباط الأحرار، والبعض من الثوريين من "قحوص" القذاذفة وورفلة واولاد سليمان، هنا أقول "البعض الذين كانوا من ضمن الدوائر الصغيرة"، أما الأعم فمن رجال هذه القبائل، فهم شرفاء أنقياء، أعرف منهم الكثير والكثير.

عشنا ونحن نرى التقارير الكيدية والملفات التي كان كل ما بها زورًا وبهتانًا، وتتحول إلى ملفات قضائية، ويحاكم الناس وهم مظلومون بأقصى العقوبات، رغم أنهم أبرياء من كل ما نسب إليهم.

عشنا ونحن نرى الخمر في مكاتب وفلل الثوريين، ورأينا السهرات الماجنة، ونسمع بها ويقوم بها أبناء المستبد وكثير من أعوانه.

وهنا أسرد  حيث تم إحضار مطربة وفرقتها بطائرة خاصة من بلدها إلى إسبانيا حيث أقيم حفل عيد ميلاد أحد الأبناء، وكلفه  ذلك أن باع بعض النياق التي ملكها من جده بمليون دولار، ودفع بها أجرة الفنانة.

كل هذا عشناه، وأصبح يمثل مسارًا في حياتنا، وثرنا عليه ورفضناه؛ لكن لا تنسوا أن هناك ناسًا لا يزالون متأثرين به ويتصيدون أية فرصة لإعادة هذه الثقافة إلينا.

أرجوكم انتبهوا، حتى لا نقع في الأخطاء نفسها، فلنكن جادين في الاختيار في أقل الوظائف وكذلك أكبر الوظائف، فمهمّ جدًا أن يكون أمين السجل المدني أو المحقق في مركز الشرطة أو مسئول التليفونات في الفرع البلدي إنسانًا وطنيًّا مخلصًا ملتزمًا بأخلاقيات وسلوكيات الإسلام في التعامل مع الآخرين، يخاف الله ولا يخاف أحدًا في الحق.

نعم فلنهتم بكل المواقع عند التكليف، ولا نقع فريسة أفكار المرابيع مرة أخرى، فلنفق، كفانا مرابيع وكولسة وشللية، واحذروا من اختلاف الألوان مع نفس الشكل.

بمعنى آخر، لا لكل من يريد أن يكلف قريبًا له بحجة الثقة أو دارس معه في بريطانيا أو أمريكا ونثق فيه حذارِ من هؤلاء غابوا عن الوطن ولا يعرفون الناس الآن وعلاقتهم بالوطن توقفت منذ خروجهم، ثلاثون، أربعون، عشرون سنة، حسب خروج كل واحد منهم.. وهم لا أشكك في وطنيتهم ومعارضتهم للاستبداد؛ لكن عليهم أن يتريثوا ويتبيّنوا قبل أن ينجرُّوا ويجروننا معهم ونقع في المحظور.

الله أكبر، سررت جدًّا من موقف رئيس المجلس الوطني عندما تحدث عن وجود شبهة فساد، واتفق معه أن يتم الإعلان عن الجهات القضائية بتوجيه التهم إن ثبتت، وتحيلها إلى الادعاء العام، والإعلان عن الأسماء والتهم، فليس لدينا ما نخبئه وأن هذا الإجراء الآن مهم من نقطتين.

الأولى: زيادة ثقة الشعب الليبي بمجلسه الوطني الانتقالي، وكذلك اطمئنان المؤسسات والدول في مصداقية وشفافية إدارة ليبيا الحرة.

والثانية: أن هذا الإجراء سيردع من يفكر أو تسوِّل له نفسه أن يمد يده على أموال الشعب ألف مرة قبل أن يفعلها.

وأخيرًَأحذرواِ من الحذاق، الذين لا يخافون الله، تجار الحروب وتجار الفتنة هؤلاء بدءوا يتسللون في فنادقنا، ويرغبون في أن يتاجروا بالسلع والأدوية والمواد التموينية والأسلحة، هؤلاء وباء يجب القضاء عليهم وعدم التعامل معهم وكشفهم للرأي العام بكل الوسائل.

وأخيرًا أقول: ليبيا الأحرار محطةٌ ارتبطنا بها ثوريًّا، وكان لها ولشبابنا فيها عمل رائد ثوري عظيم، فكيف لا نقف بسرعة عندما يُقدِّم العديد منهم استقالة جماعية، أليس الأمر خطيرًا في العالم الآخر عندما يستقيل هذا العدد، يعني أن مدير المرفق الإعلامي فاشل، وينسحب بمجرد أن يهددوا بتركهم المحطة، لماذا عدم الحسم؟! ولماذا التمسك بالمدير؟! أنا لا أعرف المديرةـ وليس لي علاقة قرابة بأحد من المستقيلين؛ لكن الأمر فعلاً معالجته من قبل المسئولين شبيهة بمعالجات ثقافة الفوضى السابقة، وما كان يحدث في الإعلام الجماهيري، "عجبكم باهي مش عجبكم، الباب يفوت جمل"، لابد وفورًا أن نعيد الشباب إلى عملهم ونكلف مديرًا آخر، وهذا ما حدث فعلا ولكنه تأخر الحسم فيه  قليلا ومثل هذا الموضوع لا يحتاج إلى تفكير كثير، فالإجراء لا بد أن يتم هكذا يوقف المسئول عن العمل، ويعود الشباب ويكلف مؤقتًا مديرًا آخر، وتجري التحقيقات من قبل جهة محايدة وحسب ما تظهره نتائج التحقيق يصدر القرار النهائي لا للمجاملات في مثل هذه المواضيع بعد اليوم .

وختامًا علينا أن نتعاون جميعًا في طيّ صفحة ثقافة الفوضى الخلاقة إلى الأبد، وننعم بالنظام والقانون واحترام الإرادات من أجل بناء ليبيا سليمة متعافية من كل الأمراض السابقة الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ليست هناك تعليقات: