الثلاثاء، سبتمبر 6

حصريا ذاكرة الايام 7 ( امنينة)


بقلم : ابراهيم السنوسي امنينة


الطريقة السنوسية:  الفكر .. الانتشار .. والجهاد


        1- الجانب السياسي والدعوي..

وفي المقابل نرى الإمام السنوسي يعد ويستعد للمواجهة مع الدول الغربية التي احتلت الجزائر في تلك الفترة، فوجّه اهتمامه إليها. ولا شك أنه تأثرّ بهذا الحدث في العالم الإسلامي، فلم يستطع السكوت فيما بعد، فكان يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل الله ضد النصارى والكفار المحتلّين المستكبرين المبشرين بالصليب .
وهذا أمر شعر به الفرنسيون وتنبهوا له . لذلك فإن الرحالة الفرنسي " وفريد "                      قال في ذلك :
 " إن السنوسية هي المسئولة عن جميع أعمال المقاومة ضدنا في الجزائر "                    إلى أن يقول :
" إن الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها أو نتغافلها هي أن الطريقة السنوسية أخطر الأعداء على نفوذنا – نحن الفرنسيون – في شمال إفريقيا وفي السنغال، وأنها العقبة الكأداء في سبيل توسعنا السياسي والاقتصادي داخل إفريقيا " .
 وهذا ما جعل الحكومة الفرنسية توصي إلى الدولة العثمانية بأن الحركة السنوسية – كما جاء في كتاب : الحركة السنوسية ونشأتها في القرن التاسع عشر للمرحوم الدكتور أحمد صدقي الدجاني – تدعو إلى إضعاف الدولة العثمانية مما أثار شكوك الأخيرة، لكن تبينّ من خلال من أرسلته إليهم كذب الحكومة الفرنسية فلم تعبأ بها .
 يجب على المسلم المعاصر أن لا يغفل عن عدوّه الحقيقي، وأن يكون ذا نظر ثاقب للأمور، وذا بصيرة نافذة يحللّ بميزان الإسلام الطرق والوسائل التي يتعامل بها مع الآخرين .
 وكم جرّ على الحركات الإسلامية من مآسي جهلها بعدوّها الحقيقي !!
فتراها تهاجم في غير عدو وتقاتل في غير مقتل، كأولئك الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على مسائل فرعية ظنيّة يرفعونها لرتبة القطعيات والمسلّمات، ويصفون مخالفيهم فيها بالابتداع والضلال مع أن الحق في الأغلب الأعم ليس معهم، والله المستعان على كثرة الجهل وقلّة العلم !!
فليست الحركة السنوسية إذاً مجرد حركة صوفية خرافية كما يقول بعض السذج، وبعض العلمانيين، وبعض المتطرفين من يسار ويمين، وإنما هي نهج تربية وجهاد وعلم وعمل ومصحف وسيف وفكر وحركة .  
رابعاً : ومن آراء السيد محمد بن على السنوسي البارزة هي دعوته إلى العمل بالكتاب والسنّة في المجال الفقهي، ورفضه للتقليد الذي أوجبه المتأخرون وحملوا الناس عليه، وأغلقوا باب الاجتهاد !!
والمقصود هنا أمثال الشيخ عليش والبولاقى والحنيش، الذين بالغوا في تخطئته وحتى تكفيره واعتبروه مبتدعاً في الدين، وقيل أن الشيخ الحنيش هذا حاول زيادة على ذلك أن يدس السم للسيدّ للتخلص منه – وكان السيد إدريس سليل الفاتحين قد نفى هذه الجزئية وأنكرها.
وكان الإمام قد حضر إلى مصر الأزهر في العام 1824م في عهد محمد على باشا.  (محمد فؤاد شكري السنوسية دين ودولة ) .
وهذا لا يعني رفض الاجتهادات التي جاء بها الأئمة الأربعة واستقر عليها عمل الأئمة قرونا ودهوراً وإنما هو نظر واستدلال .
ومع هذا فقد كان الإمام السنوسي  يفتى بمذهب الإمام مالك مع إدعائه الاجتهاد، ذلك لأن المسلمين في بلاد المغرب الإسلامي (من ليبيا إلى الأندلس) يتبعون عقيدة الأشعري وفقه الإمام مالك. فهو يرفض القول بإقفال باب الاجتهاد ولكن لا يعني هذا إنه يولج بلا شروط وبلا ضوابط – كما نرى بعض الناس يفعل .
خامساً : ومن الخصائص التي امتازت بها الحركة السنوسية هي الربّانية المتمثلة في الطريقة الصوفية السائرة على منهج الكتاب والسنّة . فالطريقة الصوفية هي وسيلة للترقىّ بالنفس وتهذيبها ومعالجتها من شهواتها الفاسدة وتطويعها لله سبحانه .
كان هذا ملخصاً لترجمة الإمام محمد بن على السنوسي وحركته الدينية الفكرية الثقافية الدعوية الإسلامية السلفية السنيّة التي أفرزتها جملة من العوامل الداخلية الإقليمية والخارجية بالمنطقة المغاربية، ولقد أوجزت كثيراً ولكن ليس إلى حد التقصير وعدم الوفاء بالحق، إنما بدواعي مراعاة عدم الإطناب والإسهاب وتطرّق الملل للقارئ بل إتباع مبدأ ما قلّ ودلّ .
إذن كانت هذه ترجمة للجانب السياسي والدعوى للطريقة السنوسية وفي ختامها نوضح أنه ما أن استقر الإمام السنوسي في واحة الجغبوب وأنشأ فيها زاويته البيضاء عام 1856م واتخذها مركزاً ومنطلقاً لدعوته حتى غدت مؤسسة متكاملة تضم جميع مرافق الحياة الدينية والدنيوية .
وتسامع الناس به فزحفوا نحوه بالآلاف ما بين طلاّب علم ومريدي طريقه، وأنصار دين من كل صوب وحدب وصار الإمام السنوسي يرسل الدعاة والمريدين والإخوان المحبيّن إلى جميع أنحاء ليبيا والسودان وأواسط إفريقيا إلى النيجر وبحيرة تشاد التابعة لنفوذه .  
ويجب اعتبار ما قام به طيلة حياته من تلقّى علم وتلقين وبحوث في علم وتدريس علم للدعاة والمريدين والطلبة والمحبين ثم إرسالهم موفدين لنشر الدين الإسلامي وتوعية من هم جاهلين في مجاهل إفريقيا وتلقينهم أصول الدين والشرع ليعّلموا غيرهم ويتخرج على أيدهم معلمين وهكذا – أقول إنه يجب اعتبار كلّ ما قام به الإمام هو بمثابة جهاد وفتح فالفتح بالعلم صنوٌ للفتح بالسيف، فالفتح بالعلم يغني عن الفتح بالسيف بل ويقوم مقامه، وأما الفتح بالسيف فليس بالضرورة أن يؤدي إلى علم أو حتى إيمان بدليل وجوب الجزية على من يرضخون للفاتح سياسياً ولكن من ناحية الدين فإنهم يبقون على حالهم مع جواز دفع الجزية .
إذاً فالسيد الإمام الذي نحن بصدد الترجمة له يعتبر فاتحاً وكذلك ابنه السيد محمد المهدي وابنه السيد محمد إدريس فإنهما يعتبران سليلين للفاتحين، ولا مراء في ذلك .
الحلقة القادمة بعنوان
2-    مرحلة السيد محمد المهدي

ليست هناك تعليقات: