الطريقة السنوسية: الفكر .. الانتشار .. والجهاد
بقلم : ابارهيم السنوسي امنينة
2- مرحلة السيد محمد المهدي
توفي الإمام في العام 1859م عن عمر يناهز الثانية والسبعين معقباً كلاً من السيد محمد المهدي الذي كان قد ولد في قرية "ماسّة" أو "مسّه" بالقرب من مدينة البيضاء ومحمد الشريف الذي ولد بزاوية "درنة"، وخلف الإمام ابنه الأكبر محمد المهدي والد السيد محمد إدريس سليل الفاتحين الذي نحن بصدد الترجمة له ولوالده ولجدّه .
أزداد في عهد هذا الوارث للرسالة محمد المهدي عدد الزوايا السنوسية إلى أن بلغت (123) زاوية منها (45) زاوية في منطقة برقة و (8) زوايا في منطقة طرابلس و(15) زاوية في منطقة فزان و(6) زوايا في واحة الكفرة و(14) زاوية في السودان، و(21) زاوية في صحراء مصر و(11) زاوية في بلاد المغرب الأقصى و(3) زوايا في تونس .
وقد تابع محمد المهدي جهود أبيه الدعوية والإصلاحية حتى بلغت الطريقة السنوسية أوجها في عهده فتعدى نفوذ الزاوية ليبيا ومصر والجزائر والمغرب حتى وصل صحراء إفريقيا، وغداً الإمام محمد المهدي بمثابة الحاكم الروحي والزمني للمنطقة حتى وصفت المصادر التاريخية الأوروبية الطريقة السنوسية بالإمبراطورية السنوسية THE SENUSSI EMPIRE .
وقد نقل الإمام محمد المهدي – والد سليل الفاتحين – مقر دعوته من زاوية واحة جغبوب إلى الجنوب في أقصى القطر الليبي بمحاذاة تشاد وإفريقيا الوسطى والسودان الأوسط في واحة الكفرة عام 1895م، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها :
1- خلافه مع الإمام محمد أحمد المهدي السوداني ورفضه التعاون معه لأن هذا الأخير كان قد أرسل نائبه إلى المهدي السنوسي ليكون تابعه فرفض مبايعته، وتجنباً للصراع الإسلامي الإسلامي ترك المنطقة المحاذية للسودان لسلطة الإمام المهدي لأن منهج الطريقة السنوسية يأمر بالمسالمة مع عموم المسلمين ويفضّل العمل على نشر الإسلام، والتفرغ لمقاومة النفوذ الاستكباري الصليبي التبشيري المتغلغل في المنطقة، وبهذا الأسلوب فإن السيد الإمام محمد المهدي يطبقّ منهج السنوسية الذي وضعه وانتهجه والده الإمام وأحد بنوده : "تجنب الدخول في الصراعات الجانبية مع الأطراف الإسلامية واختياره لمنهج المسالمة معهم" .
2- خلافه مع الدولة العثمانية التي توجست منه أن يكون نسخة مكررّة عن حركة الإمام محمد بن عبد الوهاب، فاضطر إلى الابتعاد عن مناطق نفوذها عملاً بمبدأ المسالمة لكل المسلمين .
3- الابتعاد عن النفوذ الأوروبي الذي بدأ يتغلغل في المنطقة لا سيما بعد محاولات فرنسا وبريطانيا التغلغل في الصحراء الإفريقية وخصوصاً بعد أن تمكنت فرنسا من احتلال (أدرار وعين صالح وتمنراست) في أقصى الجنوب الجزائري .
4- الاقتراب من أواسط إفريقيا وبالقرب من مدينة (واداي) في تشاد التي اعتنقت السنوسية وصارت من أهم الزوايا السنوسية، ومحاولة توسيع نفوذ الزوايا السنوسية، ولما أحسّ الإمام محمد المهدي بما يبيتّه له الفرنسيون من الكيد بعدما تبيّن لهم نشاطه الدعوي المكثف في نشره الإسلام في مستعمراتهم الإفريقية الوسطى – انتقل من واحة الكفرة إلى واحة (قرو) بين تشاد والنيجر ليكون قريباً من الصراع مع الفرنسيين، متخذاً هذه الواحة مركزاً للحركة حتى وفاته بعد الانتقال إليها بثلاث سنوات. وعندما وصل إلى واحة (قرو) هذه كان برفقته أفراد أسرته وكبار الإخوان وشيوخ الزوايا وأعيان القبائل .
أما أبرز الأحداث التي جرت في السودان الأوسط فكانت تتعلق بازدياد سطوة شخص يسمى "رابح" وظهور الخطر الفرنسي . ورابح هذا واحد من عبيد الزبير باشا رحمت، كان قد اشترك في ثورة سليمان بن الزبير ضد سلطان الحكومة المصرية في بحر الغزال حتى إذا ما انهزم سليمان وقُتل وأخفقت الثورة 1879 جمع رابح فلول الجيش وانسحب إلى "دار مغنا" "حسب ما أورده فؤاد شكري في كتاب السنوسية دين ودولة" .
"واستميح القارئ عذراً في الإطالة والإطناب وعذري هو محاولة محو الجهل وتوسيع آفاق الحاذفين والمتأففين عن ذكر سليل الفاتحين" ولازلنا بصدد ذلك .
وبدأ يشنّ الغارات على المناطق المجاورة واستولى على "الباقيرمي" في عام 1892، واحتل مملكة بورنو وأسس لنفسه ملكاً مستقلاً على ضفاف نهر الشاري الذي يصب في بحيرة تشاد، وفي نفس الوقت كان الفرنسيون قد ركّزوا اهتمامهم على تلك الجهات بعد أن وطدّوا سلطاتهم في جهات السنغال الأعلى عام 1865، وفي النيجر عقدوا اتفاقاً مع الانجليز عام 1890 اعتبر معظم الصحراء الوسطى والغربية منطقة نفوذ فرنسية، واتفاقا آخر مع الألمان عام 1894 لاعتبار الأراضي الممتدة حتى بحيرة تشاد مناطق تخضع للنفوذ الفرنسي أيضاً، لذلك تضايقوا من نشاط هذا "الرابح" وشعروا بخطر مملكته عليهم، ولكي يعملوا على ضربه استمالوا سلطان "الباقيرمى" الذي أرغمه رابح على الفرار وقد حاول المهدي الذي شعر بخطر تدخل الفرنسيين أن يؤلف بين قلوب سلاطين تلك الممالك الصغيرة ويدعو إلى السلام، غير أن محاولاته لم تنجح بسبب العداوات الشديدة بينهم، ونجح الفرنسيون باستمالة سلطان الباقيرمى الهارب. ولم تلبث الحرب أن نشبت بين رابح والفرنسيين الذين كان يقود حملتهم "القائد برينونه" فانتصر "رابح" انتصاراً عظيماً عام 1899 . ثم أرسل الفرنسيون قائداً أخر فنجح في إجلاء رابح عن "كانو" في أكتوبر من تلك السنة، وشرع الفرنسيون بالتهيؤ للقضاء عليه نهائياً، ونجحوا في تحقيق ذلك في معركة "بحته" التي قُتل فيها رابح في شهر إبريل 1900م، وخضعت لهم سلطنته وباتوا يهددّون "كانم" وكان السيد المهدي والد السيد إدريس مهتماً بتلك الأحداث لأن خطر الفرنسيين يهدّد حركته وزواياه تهديداً مباشراً، ولذلك انتقل إلى "قرو" وبدأ يتهّيأ لمجابهة الخطر الفرنسي .
وفي أثناء إقامته في "قرو" أرسل محمد البرّاني إلى "كانم" فبنى زاوية في "بير علالي" وطفق يجمع جيوشاً من قبائل التبو والطوارق وأولاد سليمان والزوية والمجابرة لمواجهة الزحف الفرنسي "نذكر بأننا نتحدث عن فاتح يجاهد ضد الهيمنة والاستكبار والاستعمار الصليبي على أرض المسلمين ويحشد القبائل من أجل نصرة الإسلام وسوف يستشهدون في سبيل الله والدين .. وهذا الفاتح هو السيد المهدي والد السيد إدريس السنوسي سليل الفاتحين".
الحلقة القادمة بعنوان :
2- الحرب الفرنسية ضد السنوسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق