كتابات من الوطن
ليبيا ... وطننا
بقلم : مفتاح بوعجاج
لو نظرت إلى حالة البلدان العربية أو حتى الإسلامية التي تشابهنا فى الظروف والتاريخ (ما عدى طبعا تميز بلادنا بأنها أول جماهيرية عظمى فى التاريخ كما قال العقيد الهارب المخلوع المختبئ معمر بو منيار )..فستلاحظ امرا جديرا بالاهتمام والملاحظة ، وهو ان الدول المستقرة والمتحضرة والهادئة نسبيا والتي تسير نحو الدولة المدنية هى الدول (الملكية او الرمزية) او الدول المشابهة لها في الأنظمة السياسية وخاصة الوراثية والتى لم يحصل بها انقلابات عسكرية ، مقارنة بالدول التي حصل بها (انقلابات عسكرية)... فبكل بساطة انظر الى الدول العربية الملكية او الرمزية (الأردن –المغرب –عمان- الكويت –قطر- الامارات ودول الخليج عموما والسعودية) ثم انظر الى الدول التى كانت مرتعا للانقلابات التى رفعت شعارات الاشتراكية والحرية والعدالة والوحدة وتحرير فلسطين والقضاء على الامبريالية والصمود والتصدي والديمقراطية والتأميم وشبيهاتها كـ(ليبيا –سوريا –العراق- اليمن-مصر- السودان- الجزائر والصومال ) وانظر الى تونس التى قبض الله لها زعيما مثل بورقيبة لم يرفع تلك الشعارات بل كان عقلانيا وطنيا بنى دولة مؤسسات وطنية مثل الجيش والدستور كانت عونا للثورة التونسية عندما انحرف النظام الزينى ....كما انه وبألتفاتة بسيطة الى تاريخنا الوطنى ، نجد ان افضل فترة عاشتها ليبيا للتنمية والديمقراطية والعدالة وحقوق المواطنة وحتى فى علاقاتها الدولية هى الفترة الدستورية الملكية (1951-1969) والثلاث سنوات الاولى بعد انقلاب 69 المشؤوم حيث كان استمرارا لما قبله من خطط للتنمية عموما وفى التعليم والصحة . وهى تلك الفترة التى كانت بسيطة فى امكانياتها وقصيرة فى عمرها(حوالى 18 عاما) الا انها اثمرت لحمة واسس وطنية وتنموية لم يستطع نظام الانقلاب تفتيتها وهو الذى حاول ذلك بكل الطرق والسبل ،فهم اى، الانقلابيون ، عادة ما يرفعون شعار هدم الماضى بكل ما فيه وعادة ما ينجحون فى ذلك خاصة فى الشق المادى الا انهم لا ينجحون فى بناء شىء بعد ذلك فتظل الامور كما هى اطلالا وخرابا وحطاما كما حصل الامر عندنا فى ليبيا ، ويكاد ينطبق نفس الشىء على (مصر والعراق والصومال والسودان وحتى افغانستان التى كانت تسير بخطى تنموية بشرية ومادية لا بأس بها ايام الملك الرمز محمد ظاهر شاه الا ان انقلاب البلاد عام 1973 جر البلاد الى ويلات التخلف والخراب والانقسام التى لا تزال تعانى منها حتى اليوم)،(فماضي هذه الدول عموما افضل من حاضرها)...
وهذه الملاحظات تجعلنا نتسائل وخاصة ونحن بصدد بناء ليبيا من جديد بعد هذا الدمار البنيوى المادى والثقافى والسياسى والاجتماعى الذى حصل لبلادنا خلال الاثنان و الاربعون عاما ونحن ايضا بصدد إعلان دستور وطنى يفترض ان يحمل بين طياته بذور التقدم والعدل والديموقراطية والحرية وبناء ليبيا المدنية العصرية ،دولة المؤسسات,نتساءل لنستفيد من دروس الماضى من اجل بناء المستقبل ,,عن افضل السبل واقصرها ، حيث قد ضاع الكثير من الزمن , وارخصها، حيث قد فقدنا الكثير من الرجال ونحن بأشد الحاجة اليهم وهم الذين استشهدوا على اديمها الطيب دفاعا عن الحرية والشرف والكرامة ولا يزالون.. وضاعت منا الكثير من الاموال فى غير مكانها بل كانت وبالا على ليبيا لان المليارات صرفت على هذه الاسلحة والتى لو تم صرفها على إنشاء بيوت للمحتاجين مثلا لكان هناك استكفاء فى المساكن ولو صرفت على تنمية الزراعية والحيونية لاغنت ابل وحيوانات الرعاة الليبيين الاشداء عن اشتمام الذخائر والبارود وهى لا تجد قوتها بعد ان تصحرت وديان وسهول البلاد بسياسات التسلح والجهل ..الا انه نظام بائس جاهل ارعن مهبول جعلنا نبحث ان اسوأ ما فى اللغة العربية لنعبر بها عنه ولا زلنا لم نعثر عليها ..عنده قناص مرتزق بيده سلاح قنص مداه 4 كيلومترات لهو افضل عنده من ليبى او ليبيه حرة شريفة...وهو الذى سبق جميع المتخلفون فى الوطن العربى وقارتى اسيا وافريقيا وكذلك سبق ثورات الربيع العربى بأنه اول من نادى حقيقة على الشعب الليبى بقوله (ارحلوا ....الى افريقيا) واتركونى انا واعوانى ومرتزقتى فى ليبيا ..ولا ترحلو الى اوروبا فهى (صقع عليكم)..الا ان القدر له شأن اخر فهاهو قد رحل الى المجهول غيرمأسوف عليه وهاهى اوروبا وامريكا(بلدان الصقع) ودول العالم الحرقد اتت الينا ونحن ظللنا فى بلادنا (الحارة) ..وهاهو اتحاده الافريقى يقول على لسان زوما احد صنائعه (افريقيا ستكون افضل من غير ...معمر ) ...
مجتمعات الدول العربية والاسلامية لا تزال فى بداية السلم للارتقاء نحو الدولة المدنية فهى اقرب الى المجتمعات الابوية والعائلية والقبلية منها الى غيرها ..وهذا الامر هو سر الاستقرار فى الانظمة الملكية فالملك او الزعيم الشرعى (وليس الانقلابى) هو عامل استقرار ورمز لهذه المجتمعات التقليدية ..وعامل الاستقرار المجتمعى هو اهم العوامل لاحداث التنمية بكافة فروعها ،فعندما استقلت ليبيا فى بداية الخمسينات كانت الحركة السنوسية والملك ادريس السنوسى عاملا اساسيا فى (المصالحة الوطنية) بين من عملوا مع الاستعمار الايطالى، وبين المجاهدين فلم تكن هناك ثارات او عمليات انتقام خلال بناء الدولة الليبية وتأسيسها،وحتى وان هناك صراع بين الفئتين فقد تحول الى صراع ديموقراطى اشتمل على تأسيس جمعيات تنادى ببعض الافكار فى حدود الدستور و مصلحة الوطن ومن خلال الحرية الفكرية والاعلامية والتى كانت متوفرة وكانت منارة واضحة مقارنة بين الدول العربية والاسلامية وحتى دول العالم الثالث فى ذلك الوقت,,وحتى وان كان هناك اختلاف فقد كان حسمه بكلمات طيبة من ذلك الزعيم الرمز والذى لم يكن يعنى وجوده الغاء الدستور فالكلمة الفصل كانت للدستور والقوانين المتفرعة منه.
وحتى الاحزاب التى تكونت فى الدول (الانقلابية ) كانت مضحكة فهى اتت تقليدا لما هو متوفر فى الدول الديموقراطية الا انها اصبحت وتحولت فيها الى (قبائل) صغيرة تدعم السلطة ايا كانت.. والحكم فى تلك الاحزاب كان وراثيا رغم ان تأسيس الحزب يفترض ان لا يستند الى رابطة (الدم ) بل الى رابطة (الفكر) وهو الامر الذى يؤكد اننا لا زلنا بحاجة الى رمز وقدوة ليقود المرحلة الى الديموقراطية والحرية والعداله وتحقيق اليات الديموقراطية بشكل متأنى ولكن على الطريق الصحيح..حتى الدول الديموقراطية الحديثة كان لها رموزها فى بداية تكوينها وتأسيسها ..فأمريكا كان لها (جورج واشنطن وابراهام لنكولن وجفرسون ) وبريطانيا كان لها (تشرشل وقبله ملوكها وملكاتها ) وفرنسا كان لها (بونابرت ثم ديغول) والمانيا كان لها (بسمارك) وايطايا لديها (غاريبالدى) ونحن لدينا المختار وادريس السنوسى ورفاقهم الابطال فى كل انحاء ليبيا وهاهم ثوار ليبيا الفتاة يرفعون اعلام الاستقلال الاول وصورهم ويتغنون بالنشيد الوطنى فلا ينقصنا الا العودة الى الاصول والاهداف والاسس التى رفعوها لاعادة تأسيس ليبيا الوطن الديموقراطى الذى يسع الجميع ولا اقصاء فيه لاحد ..فالوطن للجميع والدين لله وفى ذلك فليتنافس المتنافسون .فلا تبخسوا زعمائنا التاريخيين حقوقهم فهم عماد للاستقرار والبناء وعودة الوعى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق