الأربعاء، أكتوبر 5

نبض الوطن - بوعجاج

لم نختلف علي إزالة النظام.. فهل نتفق علي  بناء الدولة ؟؟
يمتلك الليبيون من المقومات ما يمكنهم من تصحيح مسار انحرف على مدى 42 عاما من حكم القذافي.

                                                         بقلم: مفتاح بوعجاج


قال الاميركي جون ماكين "ان الليبيين ابهروا العالم بثورتهم... ولا يزالون". وهي شهادة كان لا يمكن حصولها
من مسؤول اميركي عرف ليبيا لمدة 42 عاما وظل يعتقد ان نظام معمر لا يمكن إزالته او التخلص منه بهذه
الطريقة.
كانوا دائما يراهنون على العامل الخارجي باعتبار ان العامل الداخلي هو عامل ضعيف مسكين مستكين وقع تحت
 حكم دكتاتوري غاشم قل مثيله. وهو موقف كان سائدا حتى عند كثير من الليبيين في الداخل والخارج.
إلا أن الثوار الليبيين كان لهم شأن أخر على الأرض فقاتلوا ببراعة وشجاعة ورجولة بعد ان فرضت عليهم
الثورة المسلحة. فرفعوا علم الاستقلال وتغنوا بالنشيد الوطني وقالوا ليبيا وطننا عرب وامازيغ وطوارق وتبو
 وقريت وكل طوائف الشعب الليبي الجميلة. وعاملوا اعوان النظام بإنسانية ورجولة قل مثيلها في الثورات
(فقد كان الثوار في الثورة الفرنسية يقطعون رؤوس اعدائهم في المقاصل الشهيرة إثناء الثورة الفرنسية).
كما انهم عاملوا القنوات وافراد وطواقم الاعلام الخارجي بود وكرم وجود. وبرهنوا على كذب وبهتان
حجج النظام البائد في تقسيم ليبيا وفي الحرب الاهلية وفي التطرف. وبرهنوا على انهم شعب متحضر راق
 شكر كل من ساعده في التخلص من طاغية القرن واستقبلوا من زارهم باحترام ومودة تفوق الوصف
 شعروا فيها بالامان وسط الليبيين رغم انهم لا يزالون في عز الثورة. وظهرت نسائنا وبناتنا بين الثوار
 ولا وجود لحديث عن العورات ولا عن الجهويات وخرج شبابنا وفنانونا بأغاني وطنية تصدح عن
الحرية والديموقراطية على انغام العود والغيتار باللغة العربية والاجنبية.
مشهد فعلا اذهل العالم واصبحت الثورة الليبية على كل شفة ولسان جعلت من قال ان عمر المختار
 مات ولن يخلفه احدا، يتواري خجلا وحياء.
لم يتسول الليبيين احدا ليحارب نيابة عنهم فكانوا عصاري ومحترمين وحاربوا بشجاعة رغم قله
عددهم وعدتهم لم نر مثلها الا في افلام مثل "القلب الباسل Brave Heart" ولا يزالون.

رجع كثيرون خارج ليبيا ليشاهدوا فيلم "عمر المختار" من جديد رغم انه لم يروا فيه الا جانبا واحدا سمح
به النظام البائد ليتأكدوا من شجاعة الليبيين ماضيا وحاضرا ويقارنوا بين ما رأوه في ذلك الفيلم وبين ما
 يشاهدونه على شاشاتهم الاعلامية من نقل لواقع الثورة الليبية المجيدة رغم ان الثوار الليبيين يحاربون
 وهم يشعرون بالاسف على انهم يحاربون في اخوانهم الذين ظللهم النظام البائد واعمى بصيرتهم
وجعل منهم "الاخوة الاعداء". ففي رقبة ذلك النظام البائد يقع ثمن دماء الاخوة.
نجحت الثورة وجعلت من "القائد" اسما جديدا حقيقيا، وليس وهما كما كان في ايام اعلامه الوهمي المزيف،
 تتداوله وسائل الاعلام وهو "العقيد الهارب". وها نحن الان على ابواب تأسيس دولة ليبيا فلا تجعلوا من
ليبيا دولة دينية او علمانية او متطرفة يسارا او يمينا او غربية او شرقية. بل فلنجعلها دولة ديموقراطية
عصرية مدنية تسع الجميع، الغلبة فيها لحق المواطنة والتمدن والتحضر ولصناديق الاقتراع. الدين فيها
 لله والوطن للجميع.
تجربتنا ايام العهد الملكي تجربة قريبة العهد نجحت فيها ليبيا كدولة دستورية متحدة مدنية متحضرة
 لم يضّرها الا انقلاب سبتمبر عام 1969 والذي لم يكن حكرا على ليبيا حتى يقول البعض ان هذا
الانقلاب المشؤوم كان بسبب نقطة ضعف في ذلك العهد الجميل، والدليل على ذلك انه مرض اصاب
 دول كثيرة في منطقتنا كالعراق وسوريا ومصر واليمن وغيرها في افريقيا واسيا ولم يكن حكرا على
 ليبيا. ليبيا قبل الانقلاب المشؤوم كانت عشر محافظات في نظام مركزي قابل للتعديل حسب الظروف
المتغيرة اداريا وتنمويا وتخطيطيا بقانون يقره مجلس نواب منتخب بناء على اسس دستورية تحفظه
محكمة دستورية محترمة هي المرجع الدستوري الاعلى في البلاد وحكومة متخصصة تعمل لتحقيق
التنمية العادلة محاسبة امام مجلس الامة وامام الصحافة الحرة وامام مؤسسات المجتمع المدني الضاغطة
 دائما لتحقيق العدالة والحرية والديموقراطية وحكومة قابلة للتغيير عند فشلها او انتهاء مدتها تحت مبدأ
 التداول على السلطة وجيش وطني مؤهل عقيدته هي حماية الوطن والدستور ولا غير وشرطة وطنية
تؤسس على اسس حقوق الانسان وحماية الممتلكات العامة والخاصة. فقد اتفق جميع الليبيين على ازالة
 النظام فلنتفق الان على بناء دولة ليبيا الجديدة على هذه الاسس..ولا اعتقد ان هناك دولة نجحت وتقدمت
 بدون هذه الاسس وعلي رأسها تأسيس دولة الحريات والديموقراطية والمواطنة ولا ننحاز لايه ايدولوجية
 فقد راح وولي زمن الايدولوجيات وزمن التنظير وزمن الملالي والزعامات، والحرية والديموقراطية
هي المعبر الوحيد للابداع والتنمية والبناْء. فلا خير في كثرة الجدل وقلة العمل.
                                  مفتاح بوعجاج

ليست هناك تعليقات: