الأربعاء، فبراير 1

اهتمامات الوطن

 معالم خيارنـــــــا


بقلم : د. محمد بوسدرة

قبل أن يذهب ذاهب مذاهب شتى ويتساءل قائلاً : من أنتم وباسم من تتكلمون ؟ فإني ‏أتحدث باسم من يقول بقولي ويرى رأي، أما من نحن ؛ فنحن إسلاميون وهم من يرتضون ‏الإسلام منهج حياة يحتكمون إليه ويحكمونه في جميع شؤون حياتهم ، وأعتقد جازما بأنني ‏لوكنت لأقيّم المجتمع الليبي لأمكنني القول بأن ما لايقل عن90% من الليبيين إسلاميون ، ‏وذلك لأنك لو سألت أياً منهم ، كبيراً كان أم صغيرا، أمياً أم متعلماً ، بل ملتزماً بأوامر ‏الإسلام أم مقصراً فيها ، وقلت له : هل ترضى بالإسلام منهجاً يسير حياتك ، ويوجه ‏سلوكك؟ لقال لك وبكل ثقة .. نعم ، وقد يضيف شريطة أن يكون إسلاماً وسطياً معتدلاً بعيداً ‏عن التطرف وهو محق في ذلك ، فالتطرف والتعصب منبوذ شرعاً وعرفاً والاعتدال مقبول ‏شرعاً وطبعاً . وكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده اعتدالاً كان أم تطرفاً .

لكن مصطلح " إسلاميون " خاصة في الوقت الحاضر أقتصر إطلاقه على أبناء الحركة ‏الإسلامية لاسيما منهم المتبنون للطرح السياسي ، وقد جاءت لفظة إسلامي في مقابل لفظة ‏علماني ، وهو كل من يرى بفصل الدين عن الحياة بعامة وعن السياسة بصفة خاصة . وهكذا ‏صار كل من يدعو لتحكيم الشريعة ويرفض فصله عن الحياة ، يطلق عليه لفظ إسلامي .‏
وكثيراً ما نسمع من يرفض الدولة الدينية ، معتقداً أو متعمداً المساواة بينها وبين الدولة ‏الإسلامية ، ولا مقارنة بينهما في الواقع ، فالدولة الدينية ولكي يصدق عليها المسمى لابد وأن ‏يتوفر فيها شرطان :‏
ـ أن ينوب الحاكم فيها عن الله ، وهكذا يصبح معصوماً في أقواله وأفعاله .‏
وثانيهما : استحواذ الحاكم على حق التشريع تحليلاً وتحريما وهذان الشرطان ليسا من السياسة ‏الشرعية في شيء بل ليسا من الإسلام في شيء خاصة عند أهل السنة والجماعة ، فالعصمة ‏في الدولة الإسلامية للنص من كتاب أو سنة صحيحة ، ونيابة الحاكم عن الأمة وليس عن ‏الله . والسيادة للشرع ، والسلطان للأمة ، والتشريع حق خالص لله لا يشاركه فيه أحد .‏
ولا يشترط في دولة اتخذت الشريعة مرجعية لها أن تكون كل قوانينها وتشريعاتها منصوصاً ‏عليها في الكتاب أو السنة، بل كل قانون أو تشريع حقق مصلحة ولم يخالف نصاً شرعياً هو ‏من الشريعة ، وكل نظام توافر فيه هذان الشرطان هو نظام إسلامي ، وأي نظام افتقد أياً ‏منهما فما هو بنظام إسلامي .‏


التقتني صحفية ايرلندية فسألتني قائلة : أي نموذج من الإسلام تريدون ؟ التركي أم الطالباني ‏أم السعودي ؟ فقلت : لاشيء من هذا !! فقالت : فأي نموذج تريدون ؟ قلت : النموذج النبوي ‏فقالت : هل تنوون تحكيم الشريعة ؟ فقلت : لا قالت : كيف ذلك وأنت من الإسلاميين ‏المعروفين ، وقد قضيت نصف عمرك في سبيل هذه المباديء ؟ فقلت : مايهمنا هو أن ‏نحكم بما بما لا يخالف الشريعة مهما كان مصدره إذ كل ما لا يخالف الشريعة هو منها .‏
فقالت : خبرني عن قانون هو من الشريعة ، ولم ينص عليه فيها .. فقلت : قانون إشارات ‏المرور .‏فهو يحفظ النفس ، ولا يخالف النص .‏
فقالت : أنصحكم بنشر هذا الفهم بين الناس ، فمن شأنه أن يتيح لكم فرصة الانفتاح على ‏غيركم والاستفادة مما عندهم . ثم قالت : ماذا عن السياحة ؟ فبلدكم جميل ومعالمه السياحية ‏كثيرة : فقلت : مرحباً بكل من يريد السياحة في ليبيا ، شريطة أن يحترم ثقافتنا وألا ينتهك ‏حدود شريعتنا ،وألا يشكل خطراً على أمننا فعلى أقل تقدير ستتاح لنا فرصة دعوته للإسلام ‏وتعريفه على بلدنا . فقالت : لكن جمال السياحة ومتعتها لا يكتمل إلا بالخمر ؟ فقلت : ‏عليك في هذه الحالة أن تعاقري الخمر لثلاثة أيام متوالية في بلدك ثم تأتي للسياحة عندنا ، ‏فلن يزول أثر الخمر حتى تكتمل سياحتكك ؟
فقالت : ماذا لو أتيت به معي ؟ فقلت : ليس أمامك إلا الحبس !! فقالت : لو قلت خلاف ‏ذلك لما صدقتك ثم قالت : أنا لا أتعاطى الخمر ولا السجائر !! فقلت : ما يمنعك أن تسلمي ‏؟
فقالت : لم أزل أفكر .‏
فقالت : سينظر العالم إليكم ، ويقيم ثورتكم عبر قيمتين : الديمقراطية ، وحرية المرأة . فماذا ‏عنهما ؟
قلت : مطلبنا الأساس أن ينص في دستورنا على عبارة تقول الشريعة المصدر الرئيس للتشريع ‏، أو المصدر الوحيد .‏
وبناء عليه فكل قاعدة دستورية ، أو تشريعية ، أو قانون أو لائحة ، أو قرار لابد وأن ينظر إليه ‏عبر هذه القاعدة ، بل وأي مصدر أخر يراد الاستفادة لا يجوز بحال مخالفته فيما يراد ‏الاستفادة فيه لهذه القاعدة .‏
فقالت : هذا من حقكم لكونكم مسلمين .‏
قلت : والمرأة لها أن تفعل ما تشاء متما شاءت ، وكيف شاءت ، وأن تقول ما تشاء ، وأن ‏تشارك فيما تشاء من نشاطات اجتماعية أو سياسية ، أو ثقافية ، أو غيرها بشرط الأ تخالف ‏شريعتها ،وألا تناقض طبيعتها ، إذ بمخالفة شريعتها تغضب ربها، ومناقضتها طبيعتها ‏يجعلها في أشكال مع نفسها والمحيط من حولها ، وهو الأمر ذاته بالنسبة للرجل.‏
أما عن الديمقراطية فما يوافق شرعنا منها نقبله ، ومايخالفه نرفضه وهو بالتالي كالإستفادة من ‏أي تراث إنساني لا يخالف شرعنا بصرف النظر عن المسمى، فإعطاء السيادة للشعب ‏بمعنى حق التشريع ولو خالف الشرع أمر مرفوض ، وحق الاختيار ، والانتخاب أمر مقبول ‏وقد حدث هذا بعد قتل سيدنا عمر ، بل حتى أختيار سيدنا أبي بكر كان وفق الانتخاب، كان ‏هذا الحوار في مارس أي بعد شهر من قيام الثورة ، ولم تتضح ساعتها الأمور .
والذي أريد قوله والخلوص إليه مما سبق أنه ثمة حقائق أود وضعها أمار القاريء الكريم كي ‏يكون على علم بها :-‏وأول هذه الحقائق .. أن مسألة كون الشريعة المصدر الرئيس للتشريع لا يجوز أن يستفتي ‏عليها في مجتمع مسلم بأكمله ، وإنما ينص عليها في الدستور لتحمل شيئاً من الديمومة ‏والخلود ، ولئلا يأتي من يلتف على الشريعة بدعوى عدم نص الدستور عليها .‏

وثانيها الوحدة الوطنية ، وسيادة البلد فهما خطان أحمران لا يمكن لأحد تجاوزهما ، ولا العبث ‏بهما تحت أي ظرف من الظروف.‏

وثالثها : إننا أمام استحقاق تاريخي ، وهو استحقاق لانتخاب المؤتمر الوطني ، ومن ثم اختيار ‏اللجنة التأسيسية لو ضع مسودة الدستور ، وسيتقدم كثيرون للترشح ، وسنسمع من كل من ‏يتقدم بأنه أتى ومعه حلول لكل المعضلات ، أو أغلبها وقد يكون كذلك فالله يخلق ما لا نعلم ‏، لكننا والحالة أننا لا نعلم الغيب فعلينا أن نركز على المنطلقات أكثر من تركيزنا على ‏المقالات ، فقد يقدم المتقدم للإنتخابات وعودا ً، وقد يسمع الناخبين ما يودون سماعه ولكن ‏وفي غالب الأحوال أن ما يلتزم به قبل الإنتخاب ليس بالضروري أن يتحقق بعده . لذا أرى ‏التركيز على أربع صفات لتتوافر في من يراد انتخابه : الولاء للإسلام ، والإنتماء للوطن ، ‏والكفاءة العلمية ، والخبرة العملية وذلك من أجل بناء دولة تحقق العدالة في القضاء والمساواة ‏في العطاء فالله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ، ويهلك الظالمة ولو كانت مؤمنة .‏
وعلى الدرب نلتقي..‏

ليست هناك تعليقات: