بعض السم في دسم الجمعيات الخيرية
محاسب ومراجع قانوني
لقد
أوجب القانون في المادتين 57 و 60 منه عقوبات تطال من يخالف أحكامه ، ومع صراحة
نصوص القانون وموافقته لما جاءت به النظم في مختلف دول العالم من حيث كيفية تكوين
الجمعيات الأهلية الخيرية والرقابة عليها ، فإن النشاط الأهلي الخيري في ليبيا لم
يحظَ بما ينبغي من الرقابة والمتابعة منذ صدوره وحتى هذا التاريخ ، كما أن أحكام
القانون لا يتم مراعاتها بدقة ، فعديد التبرعات والإعانات التي تصل إلى الجمعيات يتم
جمعها علناً ومن دون تصريحٍ بذلك وبعض التبرعات والإعانات تصل إلى الجمعيات
الخيرية من دون مسعى ظاهرٍ منها لطلبها ، وإذا كانت هذه الإنحرافات في تسيير أنشطة
الجمعيات الأهلية التي أُسِّست لأغراض البر والإحسان واكبت عمل الجمعيات منذ
بواكير نشأتها في ظل قانونٌ يُنظِّم تكوينها ويراقب ممارستها ويُجرِّم خروجها عن
نصوصه الآمرة ، فكيف هو الحال بالنسبة للجمعيات التي تأسست إبان احتدام حرب
التحرير ! إن أجهزة الرقابة وديوان المحاسبة في مقدمتها لم تتنبه لمراقبة أداء
الجمعيات الخيرية زمن النظام المقبور لكن ذلك لا يعني من الآن فصاعداً ، أن تستمر هذه
الجمعيات سواء تلك التي كانت قائمة قبل اندلاع حرب التحرير أو تلك التي أُنشئت
إبان الحرب بمنأى عن رقابة ديوان المحاسبة بل وعن رقابة هيأة الشفافية ، فلكي يكون
العمل الأهلي خالصاً لوجه الله تعالى ومحققاً لمصلحة وأمن الوطن لا بد من جرد موارد
تمويل الجمعيات من إعانات وهبات وتبرعات للتأكد من سلامة نوايا مقدميها من ناحية والتأكد
كذلك من استخدامها في أغراضها المشروعة من ناحيةٍ أُخرى ، ذلك أنه وإن كنا نقدم
التبرعات والإعانات بعشرات الدنانير ومئاتها ، فإن جهات أجنبية تقدم التبرعات
والإعانات بملايين الدنانير وبملايين اليوروات والدولارات وغيرها من العملات ،
وإذا كنا نبتغي وجه الله فيما نُقدمه من أموال للجمعيات الخيرية ، فمن أدرانا
بنوايا الآخرين الذين يقدمون التمويل ومن أدرانا بنوايا الذين يتلقونه ، وكيف نضمن
أن بعض الجمعيات التي تكونت تحت ستار مد العون وسد حاجة المحتاجين لم تُوجَّه
مواردها لأغراض نفعية خاصة بل من أدرانا أن لا تكون بعض الجمعيات ضالعة في تمويل
عمليات إرهاب أو تخريب ، إن أخشى ما نخشى أن تُغري بعض الهبات والتبرعات أياً كان
نبل مقصد مُقدِّميها أصحاب النوايا السيئة بسوء استعمالها أو أن ترِد ممن لهم
غاياتٌ غير طلب الجزاء من الله .
نحن
نتسابق جميعاً إلى فعل الخير ، وندين بالشكر والإمتنان للقائمين على إدارة جميع
مؤسساتنا الأهلية والخيرية على وجه الخصوص ، لكننا لا ينبغي لنا أن ننسى أن الله إئتمننا
على ما آتانا من أموال ، فحريُّ بنا أن نتابع كيف تم التصرف في ما قدمناه إلى هذه
المؤسسات من دعم نقداً أو عيناً ؟ علينا أن نراجع جميع ملفات البر والإحسان ولا
نترك مجالاً ، لأن يدوم أو يتصل ، ولو إلى حين ، ما كان لغير الله ، فعلى ديوان
المحاسبة وهيأة الشفافية أن يسارعا إلى مراجعة هذه الملفات ، ذلك أن كثيراً من
المخالفات أُرتكبت عن خطأٍ أو عن قصد وبعض مظاهر الفساد والإنحراف والممارسات
الخاطئة لمديري وأعضاء لجان إدارة بعض الجمعيات الأهلية اتخذت لها ساتراً عباءة
أعمال الخير والإحسان ، وبعض مديري بعض الجمعيات لم يكونوا من دون غايةٍ مشبوهةٍ عندما
كانوا يعمدون إلى ممارسة أنشطةٍ هادفة للربح ، وهم حتماً لا يتصفون بحسن النية
عندما باعوا مواد الإغاثة ، ولئن كان غاب عنهم وقتها أن يوماً سيأتي تضطلع فيه
أدوات نقية بفرز الغث عن السمين وتكشف الأيادي البيضاء عن تلك الخضراء وإن تلونت
فهي الملطَّخةِ بوحل الدنيا ، وقد حان الوقت لنكشف الستار عما دخل إلى بطون
الفاسدين المفسدين وإلى جيوبهم ، قال جل وعلا: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"
. صدق الله العظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق