السبت، مارس 3

حصريا : سلسلة تحليلات وكتابات إمنينة




إحياء علوم السياسة

بقلم : إبراهيم السنوسي إمنينه
الحلقـــــة (1)                                      

أترحم على روح الفقيه العلامة الإمام الشيخ الجليل الفيلسوف والمصلح الديني والاجتماعي الصوفي ، حجة الإسلام ، زين الدين أبو حامد الغزالي ،وأستميحه عذراُ لاستعارة كلمتين من عنوان كتابه ، وهو "إحياء علوم الدين" ، ليكون عنواناً لهذه المقالة (احياء علوم السياسة) وهو من أجلّ وأشهر كتب المواعظ ، وغايته إنماء وإحياء الناحية الروحية في الفرائض الشرعية وإيصال النفس البشرية إلى ذرى محبة الله الخالق ، وهو الذي كتبه أثناء إعتزاله الناس في الشام عندما افتقد فيمن حوله من الخلق الناحية الروحية ، وحال التدبّر والتفكّر والتأمل والتعقل في كنه العلاقة بين الخالق والمخلوق ، بقصد الوصول إلى تلك (الحال) بسلاسة واقتناع ومن ثم ارتياح.
وكان هذا الإمام قد حدّد في هذا الكتاب مفهوم الخلق وميّز عناصره في معرفة وإرادة وعمل (وهيئة) راسخه ، واشار بضرورة ترابطها والإنسجام بينها والكشف عن الأصول التي تنبثق عنها الصفات الأخلاقية – مدافعاً عن إمكانية بل وضرورة تهذيب الأخلاق ، وله في ذلك المجال ، وهو علم الكلام أكثر من ستة مصنفّات .
وكان قد قام بشرحه مشكورينْ ، ولهما كامل الثواب كل من إبن الجوزى وإبن يونس ..
كان لابد من هذه المقدمة لتقديم هذا الشيخ وتقريظ أعماله والشكر له دائماً موصول لإستعارتنا جزءاً من عنوان كتابه (أحياء علوم الدين) ، وذلك لشرح مفهوم السياسة في هذا العصر ، وكذلك لتبيان حال ساستنا من الجهل والتوه والضياع ولو عن غير قصد كجهل تلك الدبة التي قتلت صاحبها بينما كان " قائلاً " في ظل شجرة ذات يوم قائظ ، وكانت قد استقرت على خدّه ذبابة أعيته وأقلقت منامه ، فقامت تلك الدبة وألقت عليها حجراً صلداً حيث كانت مستقرة فوق خدّ صاحبها فطارت الذبابة وُقتل صاحبها ... وهكذا يفعل بنا بعض ساستنا فهم يقتلوننا بتصرفاتهم من فرط محبتهم لنا ، كل يوم ألف مرة – ولكن عن غير  قصد ، فمن الحب ما قتل !!
ونبدأ بالحديث عن أبسط مبادئ علوم السياسة وألف بائها فنقول :-
أولاً :- يجب أن نلاحظ وألاّ يفوتنا تداخل كل علوم الإجتماع والسياسة والإعلام والإقتصاد  مع بعضها البعض وبشكل متلازم لا إنفصام له ، ولا يجب أن نتعامل مع أي منها بشكل منفرد .
فمثلاً فإن وسائل الإعلام تتجنب دائماً على نحو منظم التطرق لبعض المواضيع فهي تمارس ما يمكن تسميته نوعاً من (الحياء السياسي) ، فهي ، أي وسائل الإعلام نادراً ما تتلفظ بكلمات مثل كلمة " المال " و " الطمع " ، وبذلك تتجاهل حقيقة واقعة وهي أن (المال) و (الطمع) يلعبان دوراً مهماً في السلوك السياسي ، وهكذا يتآخى موقفها مع موقف علم السياسة أساسياً لذا فإنه يتوجب أن تكون لدينا الإمكانية لمقارنة الحقيقة السياسية مع الصورة التي تعطيها عنها وسائل الإعلام ، ويجب أن يُحفظ هذا الوضع حاضراً في الذهن .
ثانياً :- إن أدبيات علم السياسة تنمو بوتيرة سريعة جداً ، وذلك بسبب إتساع موضوعه فإن ميدانه شاسع ومتمدد ومتجدّد . 
     إن الوقائع السياسية ليست محايدة . فهي لا تتلائم تماماً مع عرض رصين وموضوعي وحقيقي ، لأن الطريقة التي تُعرض بها هي نفسها منتجه للسياسة ، فمثلاً فإن طريقة عرض سياسة حزب أو رئيس جمهورية هي قابلة أن تغيّر بإتجاه دور فعل المواطنين بالنسبة لهذه السياسة ، وبالتالي تغير نتائجها وحتى طبيعتها ، وهنا يبرز سؤال حول موضوعية أجهزة الإعلام والتي يقال أنها مستحيلة .
إن بلوغ الحقيقة قد يكون متعذراً ، لكن بلوغ الكذب يمكن أن يتم بسهولة .

؛؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة


ليست هناك تعليقات: