المُواطـَـنـَة ..
وتصحيح
المفهوم
(مختارات إبراهيم الفلاح)
للكاتب : محمد عبدالله حنيش
الحلقة الثانية :
وفى بلادنا
وبفضل الله وبمدرار دماء
أبنائنا الشهداء والجرحى
فقد تحقق لنا النصر , وأذهب الله عنا الحزن , لنواجه الابتلاء مع انفسنا فى فتنة النصر .. ولتصبح المواطنة فينا على
المحكّ التجريبى ,فقد نجحنا فى إثبات الحب
والولاء للوطن , وبثمن غال ٍ , ولكن الأمر بات يختلف فى بعض المشاهد عندما
بدأنا تطبيقات المواطنة
, وهذا يستوجب منا ــ سواء أسرعنا
فى استيعاب ذلك أم تباطأنا ــ ضرورة أن يسمع أحدنا الآخر , وأن يفسح الطريق له
كى يمر , وأن يتلطف فى محادثته , وأن لا يمارى فى مناقشته , وأن لا تقل النظرة إليه عن حق المسئولية فى شراكة المواطنة
, فقوله منك مسموع , وعقلك لحديثه مستقبل
, و يقابل اجتهاده حسن نواياك .. وبعد كل هذا
: فلك الحق فى أن تقبل
أولا تقبل ما يطرحه , لكن مكمن الداء
فى أن لا يُسمع
صوته أو أن يُصادر كلامه , وأن توؤد اجتهاداته .. فتلك جريمة اغتيال
صريحة لحق المواطنة .
لقد احتفلنا بذكرى الثورة فى سنتها الأولى .. بعد أن ضحى من ضحى ,
وشارك وتقاعس منا من تقاعس , وأخطأ وأصاب منا
من أصاب , ومر عام كامل لم
تذهب فيه الغالبية
العظمى من الناس إلى أعمالهم , ولم تـُسدّد فيه عوائد إيرادات المرافق العامة , ولم تتعاف فيه حركة
التجارة ولا باقى المهن الأخرى كالزراعة والصناعة وحركة الاعمار فى البلاد ... الخ من كافة مناحى الحياة . وآن الأوان لنتذكر
واجباتنا الوطنية وإذكاء إحساس المواطنة فينا.
لقد أصبح
مفهوم المواطنة لدينا فى
حاجة إلى تصحيح
...
فمئات آلاف المستخدمين فى الدولة ظلوا
طيلة العام الماضى فى بيوتهم
دون المساهمة بأداء واجباتهم
( باستثناء الثوار الذى شاركوا فى التحرير ) فى بلد يحتاج إلى
بناء لوجستى كامل
وتخطيط منهجى شامل , وإلى صيانة ما
تبقى على الأرض من منشآت لم تطالها معاول الهدم والدمار .. وكأننا ننتظر
جندا تهبط من السماء لتفتح لنا مقار أعمالنا فتعيد ترتيبها وتجهيزها
وتصين فيها ما يحتاج للصيانه ثم
تقول تفضلوا متى ما تشاؤون لمباشرة أعمالكم !! , ومع هذا تزحف الآلاف فى نهاية كل شهر لقبض المرتبات ,
والويل والثبور لإدارة المصرف التى لا توجد لديها السيولة الكافية لسداد كامل المرتب .
إن ملايين الدنانير المحجوبة فى خزائن الناس الخاصة ,
والتى سبّب اختفاؤها من المصارف أزمة خانقة فى السيولة .. وتصعّبت الحياة على
الناس فى ضروراتهم الغذائية والكسائية
والعلاجية , كانت بلا شك من أسوأ صور اضمحلال الاحساس بالمواطنة.
إن ما تناهى إلى أسماعنا ــ حقيقة
أو مبالغة ــ عن المخالفات المالية
التى ارتكبت فى الأموال العامة , وفى مخصصات مصاريف علاج الجرحى تبعث على الاشمئزاز , ولا تشجع الكثير من
الشرفاء على المشاركة بأى دور فى إعادة
البناء درءا للشبهات , لأن خلل السلوكيات
والخروج عن مسارات الانضباط الصحيحة تقتل الاحساس بالمواطنة
.
إن حملة
التشهير والبحث عن مثالب الآخرين التى جوبه بها كل من تقدم لأداء خدمة ,
أوشارك بدور ما خلال الأزمة , جعلت الكثيرين من المؤهلين القادرين على المشاركة يحجمون .. ويربئوا
بأنفسهم عن المهاترات أو أن تلوكهم
الألسن
.
فلا تـُبنى أوطان بهذه
الممارسات , ولا ينمو شعور
المواطنة فى ضمير يحوى
مثل هذه الثقافات ...
آن الأوان لأن نرجع للعقل المجرد عن الأهواء وسطحيات التفكير .. وأن نمقت التلذذ
بالاستيلاء على ما تطاله أيدينا من
مقدرات المجتمع .
آن الأوان لنراعى أن
ما لأخينا المواطن الآخر
محرم علينا عرضه ودمه وماله .
آن
الأوان لنصحح مفاهيم عصبية جاهلية قبلية
وجهوية ومصلحية تجذرت طويلا فى مجتمعنا وأفسدت الكثير
من الناس إلا ما رحم ربى ...
كما
آن الأوان لنقدم
من يستحق
على من لا يستحق وألا نبخس الناس حقوقهم
.
وأخير ,, آن الأوان لكى نبحث ونتحرى ونجتهد
ونسأل ونمحص ونتأكد ممن يصلح لتولى أمورنا
وخدمة بلادنا , ممن نظنه يتقى الله
فينا وفى مصائر أولادنا , بصرف النظر عن
انتماءات القبيلة والجهوية , من تـُلزمه المواطنة بحسن خدمتنا , وتلزمنا نحن بحسن انتقائه بدون أن
نخضعه لموازنات وتوافقات القبيلة أو الجهة .
فالنجاح فينا للأصلح وليس لمن هو منا أقرب , والمواطنة
انتهاج السلوك المعبر عن حب الوطن وليس مجرد ادعاء أجوف بدون وعى للمفهوم الصحيح .
المواطنة :حضارة تحرر
الناس من ظلمات غرائزهم لتهذب
أساليب حياتهم والتعايش فيما بينهم
لبقاء الأوطان ..
وليس أمام
التجمعات البشرية فى دولها ومدنها سوى انتهاج
سبيلها , ومن ابتغى غير ذلك
فليقبع فى كهوف
ما قبل التاريخ محاولا بدء دورته الحياتية من جديد .. لكن هذه المرة لن ينتظره الزمن
فأهله متسابقون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق