الجمعة، يوليو 29

الصادقون فيما عاهدوا الله عليه


   الشهيد البطل :

عبدالفتاح يونس المزيني

                       علي روحه الطاهرة الفاتحة

                          الي جنة الخلد ايها العزيزحاضرا

                                                     والاعز غائبا ..
انا لله وانا اليه راجعون ..




 نم قريرالعين صحبة اهل الجنة.. فلقد ارهقناك كثيرا .. وقصرنا جميعا في حقك.. وانت الذي لم تتواني ولم تتردد في ان تقدم نفسك الغالية علينا فداءا لوطن احببته ..ولن ينسي افضالك ابدا .. اعــــذرنا ايها الرجل الذي قل مثيله.. فلم نعطك يوما حقك .. ولم نمنحك لحظة راحة
.. وانت الذي تركت كل شيء حتي ام طارق تصارع الموت  وتبحث عن الدواء من مرض عضال شفاها الله منه فقد اصبحت المشغول دائما بحبيبتك الاولي والاخيرة .. ليبيا.. فهي  كل اولوياتك .. وجل اهتماماتك ..

 فليس لديك وقت لأحد سواهـا
وها انت ترقد  اليوم في ثراها
 شهيدا وقد زفتك تلك التي عشقت سماها ..
 بنغازيك التي لولاك لكان الطاغي رحاها ..
ألست انت الذي حقنت دمـــــــاها ..
يا اباها واخاها.. .. يا حبيبها  يا كل  مناها .
لم تهن.. يوما.. ولن تهن ..
وانت صاحب وقفات المحن .. وستبقي رمزا خالدا لهذا الوطن ..

ابجدية الوطن

الخميس، يوليو 28

نبض الوطن

    

 من الثورة الي الدولة

                                                                   م. مفتاح بوعجاج

  ليبيا حصل بها انقلاب مأساوى عام 1969 عن طريق شلة ضباط صغار السن مراهقون وجهلة فى السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والقانون وجهلة حتى فى تخصصهم العسكري مع كثير من الحقد والامراض النفسية ولا يملكون حتى مقومات ادارة محل بقالة على رأى (الحجاب).. كل ثقافتهم وافكارهم هى ما يسمعونه فى إذاعة صوت العرب وخطب جمال عبد الناصر النارية عن القومية والتحرر من الاستعمار والامبريالية والاشتراكية، وهو مد قومى شعاراتى ايديولوجى نجح فقط تحفيز الجيوش لتغيير عقيدتها من حماية الدستور والوطن الى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ولم تنجح فى تحقيق اى من شعاراتها الاخرى.. ولو انهم كانوا استمدوا ثقافتهم من اذاعة البى بى سى اللندنية والتى كانت لها مساحة واسعه فى ذلك الزمن لكنا اليوم افضل حالا واكثر ثقافة وتمدنا...
افرز الانقلاب فى ليبيا ثقافات همجية ومتخلفة مثل الزحف والاستيلاء والحرق والتجييف والتخوين والكلاب الضالة والغير ضاله والخنازير والبارك والذيل والطز.. واساليب عوجاء متعددة حاولت هدم وتشوية كل ما قبلها من انجازات ثقافية واخلاقية ومادية واجتماعية وسياسية وتاريخية ووطنية نتجت عن نظام وطنى ديموقراطى فى الخمسينات وجزء من الستينات رغم الفقر والعازة.. نتائج ذلك التشويه والهدم بانت اليوم على واقع الارض وبشكل واضح، حيث تحول ذلك الانقلابى الذى استفرد بالسلطة، تحول من جاهل حقود الى مفكر ومحرر وامام ومهندس فذ وفارس وصقر اوحد واخيرا ملك ملوك وانتهاء بمحاولاته احياء الدولة الفاطمية فهو اعتبر نفسه سليل الاشراف وسليل المجاهدين وذلك عبر اعلام شمولى فاشل.... ثم تحول الان بعد عودة الوعى وقيام ثورة فبراير المجيدة الى سفاح قاتل مغتصب بدأ يزرع الارض الليبية الغاما ومتفجرات بعد ان ردد سنينا هو ومريديه بأنه سيلونها بل يلون العالم والكرة الارضية كلها بالاخضر...انه قمة المرض والجنون لشخص يعيش فى عالم افتراضى جعل من الابطال فى بلاده جرذانا ومن المجرمين رجالا يدافعون عن البطل معمر بومنيار! وانه هو المجد وغيره انحطاط...لا اريد ان اسهب فى تصوير تصرفات واخلاق هذا المعتوه المجرم فالواقع اليوم يغنينى عن ذلك...
 اننا اليوم وبعد 42 عاما من التيه والغش والخذلان لتلك الكلمات والشعارات التى رفعها النظام الانقلابى فى عام 1969 وكيف اكتشف الليبيين متأخرين ان الوطن قد انتهى فى اخر المطاف فى يد عصابة مسلحة بكافة انواع الاسلحة تريد تدميره، هو اننا اليوم بأشد الحاجة الى العودة الى التفكير الطبيعى والمنطقى والعقلانى والهادىء حتى نستطيع ان نبحر بسفينة البلاد بأمان وذلك بعد هذا (الوجيج) على رأى شبابنا الذى اجتاح حنايا العقل والمنطق منذ الانقلاب المشؤوم... ومعرفة البديهيات والفرق بين الثوابت والمتغيرات.... وحتى لا نعودلنكرر نفس الخطأ القاتل بأعطاء حسن الظن مكانا وحيزا كبيرا فى نظامنا السياسى الجديد بدل ان نضع ميثاقا غليظا ليربط العلاقة بين الشعب ومن يختاره حاكما اسمه الدستور...فأهلنا اهل الحكمة ما برحوا يقولون (اقرأ النقص، تجئ أنت والحق سواء)...
قد نختلف ديموقراطيا عن شكل نظامنا السياسى المستقبلى بعد التحرير وهذا شىء مقبول طالما كان الهدف ليس الاختلاف فى حد ذاته، وانما هو البحث عن افضل شكل سياسى يخدم امانينا وطموحاتنا ويحمى ما تبقى من وطننا بعد الدمار الهائل الذى احدثه هذا النظام الكتائبى فى بنية بلادنا الاجتماعية والاقتصادية والامنية والثقافية والمدنية وحتى السياسية خلال اثنان واربعون عاما من التدمير الممنهج والغير ممنهج....
ولكن هل يجوز ان نختلف على لون وشكل اقتصادنا بحيث يكون اقتصادا ينمى روح المبادرة الفردية ونبنى دولة تحمى الممتلكات الخاصة والعامة وان يكون للقطاع الخاص دورا اساسيا فى التنمية الاقتصادية والذى سينعكس بدوره على التنمية البشرية والامن الغذائى وبالتالى الامن الاجتماعى؟.... هل يجوز ان نختلف على ان يكون التعليم والصحة هى مجانية لليبيين فى ظل ثروة طبيعية حبانا الله بها هى ثروة لجميع الليبييين؟... هل يجوز ان نختلف على ان الاعلام يجب ان يكون سلطة رابعة وخامسة ومن ضمن مؤسسات المجتمع المدنى ليكون جهة رقابية على السلطة التنفيذية وحتى التشريعية وجهة ضاغطة لتحرير البلاد من الفساد والمفسدين واظهار اخطاء السلطات الاخرى بكل شفافية وموضوعية.. بالاضافة الى ان تكون مشاركة فى اعادة الوعى والثقافة الوطنية وحتى نقل ما يدور فى اطار العولمة حيث اصبحنا سواءا شئنا ام ابينا جزء من هذا العالم الدوار فوق رؤوسنا؟؟ وبالتالى يفترض ان يكون الاعلام بعيدا عن سيطرة الدولة الا فى حدود القانون والدستور... وهل يجوز ان نختلف على عقيدة الجهات الامنية فى ان تكون عقيدتها هى حماية الوطن والمواطن وان تكون اجهزة لتطبيق القانون (Law Enforcment) بدل ان تكون اجهزة لتبادل المصالح الشخصية والبلطجة من اجل تحقيق فوائد لصالح اشخاص او شرائح معينة كما عهدناها خلال عهد بومنيار،،، او اجهزة تجبى الاموال والرسوم من المواطنين إن انتهت رخصة التجول على طرقات متهالكة،. ولكن لا يهمها ان انت تربط حزام الامان ام لا.. فحياتك لا تهمهم..! كما لا يجوز الاختلاف على انه كان هناك خللا كبيرا ومأساوى فى توزيع ثروة النفط على الليبيين من خلال (المرتبات) او فرص العمل فهناك فرقا كبيرا فى هذا الاطار بين شرائح المجتمع الليبى وهم تقريبا يؤدون فى نفس العمل وكلهم ليبيون وان اقتصاد البلاد هو اقتصادا ريعيا مصدره تقريبا واحد ولا يمكن لاحد ان يزايد على احد بأنتاج سلعة ما وان كان هناك ضرورة ان يكون هناك احتلاف فليكن من خلال العطاء فى اقتصادنا الجديد سواءا كان اقتصاد انتاج او اقتصاد خدمات.. وكنا اتمنى سريان ذلك من 17 فبراير وكنت قداقترحته حفاظا على السيولة وعلى السلع واعادة ضبط ثقافة الاستهلاك وتحقيق مبدأ المساواة فى البداية حفاظا على لحمة الليبيين فى المناطق المحررة وغير المحررة.. ولكنه لم يدم طويلا لتدخل المنظرين والأكاديميين البعيدين عن حالة الناس ولكن قريبا من مصدر القرار..!
هل يجوز ان تكون مرتبات مدرسينا الأفاضل فى المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية لا تساوى عشر ما يتقاضاه مدرس جامعى عادى ونحن نعلم مدى اهمية هذه المراخل من الناحية التربوية والتعليمية ومن ناحية الجهد الذى يبذله مدرس وطنى شريف للتدريس على هذه المراحل الصعبة.. وقد رأينا ان هذا الامر يتم تطبيقه فى الدول المتقدمة، بل ان مرتبات مدرسى هذه المراحل الذين يتم اختيارهم بعناية تتساوى او اعلى حتى من مرتبات اساتذة الجامعات لمعرفة تلك الدول بأهمية هذه المراحل واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون..!....
                                                          للحديث بقية
                                                          الكاتب: مفتاح بوعجاج

الاثنين، يوليو 25

ترقبـــــــــــوا..

مؤتمر اللحمة الوطنية
        بنغازي

ابجدية الفعل وابجدية القول..من يصنع من ؟
  من يتوسد رمال مصراته وجبل نفوســــة ؟
ماهي الخمسة التي تجمع الليبين يومـــــــــيا ؟؟
وماهي الخمسة التي لايختلف عليها اللييبيون ؟
لماذا نحن هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ؟؟      
اسئلة تطرح في المؤتمر وستكون اجاباتها فيه ..

متابعة مباشرة من بنغازي ..

        ترقبـــــــــــــــــــــــــوا ذلك علي ابجديـــــــــــــة الوطـــــــــن ..

نبض القلب..

 
     قد نغيب كالغروب ،، وقد يلهينا الزمن ،، ولكن يبقى نبض القلب لا ينسى الأحبة في الله .....
 

نبض القلب : 

                                          أ. عمر الحاسي
 
في البداية لايسعني الأ ان نشكر كل من سنحت له الفرصة وحصل علي نت وبعث برسالة تواصل وافاض علينا بشي من وحي الكلمة وقوة الحدث وفصاحة الموقف ولكن
الحدث أجل وأعظم والخطوب افصح من الكلمات والكتب ,
 وكذلك نشكر من لم يتمكن  لان الفرصة لم تسنح له ولكننا نعرف انه ينوي الاتصال والاعمال بالنيات ولكل امريء مانوي وبعد هذا الصمت الطويل الذي شغل جميع الليبين عن اصدقائهم واحبائهم واذهل كل مرضعة عن رضيعها لينتبه جميع الليبين من غفلتهم وتصل القلوب الحناجر ولكن هذه مشيئة الله وقدرته ارادها ان تكون فكل ماأتي من الله فهو خير لأن هذا الشعب خيّر ويستحق كل خير بأصالته وكرمه وايمانه وفطرته السمجة وتمسكه بقيمه واخلاق الاسلام فهذه هبة لن تهدي سوي للشعوب الاصيلة التي تتمتع بنسيج متماسك ومتانة في الصنع كان صاحبها القدير الحكيم فهذه الكلمات مهما تكن قيمة وذات معاني هادفة ...فلن تعبر عن مكنوناتنا في هذه اللحظة الحرجة وفي هذا المفترق التاريخي الخطير ...الذي سوف يقود ليبيا والليبين الي شأنآ آخر...وهذا شأن الليبي الاصيل ..والذي يشارك اهله المحنة ...وربما ارادها الله منحة ... محنة لامتحان القلوب والصدقات ويتمتع ومنحة لتبادل اعمال الخير والعمل الدؤؤب الذي يجر كسبآ ولكن ليس ماديآ بل اجرآ عند الله ...ونسأل الله ان تنتهي هذه الازمة بخير وصحة جيدة  للجميع ويهل علينا شهر رمضان ونحن في احسن حال ...فليس بعد العسر الا اليسر وليس بعد الظلمة الا الفجر ....فنسأل الله ان يكون هذا هو الفجر الصادق و الحقيقي الذي يرتقبه كل الليبين ...كما نسأل الله ان يجعل هذا البلد آمنآ مطمئنآ سخآ رخآ وسائر بلاد المسلمين وأن يخلص هذا البلد من اهل السوء والظلم والفساد ....آمين.
والسلام عليكم ورحمة وبركاته
اخوكم :عمر الحاسى

الأحد، يوليو 24

اراء وطنية جادة

لا للقبلية ... نعم للقبيلة
محمد بشير البرغثي

   رفع بعضنا في بنغازي شعار "لا للقبلية" وانتشرت اللافتات والملصقات التي تحمل هذا الشعار في كلِّ مكان وعند كلِّ تجمع ، وقرأ بعضنا هذا الشعار على أنه "لا للقبيلة" رُغم أن الفرق واضحٌ ."لا للقبلية" يعني التوجه إلى نبذ الفرقة واحتكار قبيلةٍ للسلطة والثروة ، أما أن نقول "لا للقبيلة" فكأننا نتنكَّر لجذورنا التي لم في يومٍ إلا مدعاة لكلِّ فخر ، إن البعض الذي ذهب إلى القول أن شعار "لا للقبلية" يعني في حقيقته "لا للقبيلة" لكأنما نسيى أو تناسى أن هذه المدينة من دون غيرها من مدن الوطن التي رفعت بشرف ومنذ عصور مضت شعار "رباية الذايح" كانت ولا تزال وسوف تظل موطناً لجميع قبائل الوطن خصوصاً وقد امتزجت على ترابها دماء الشهداء من عديد القبائل دفاعاً عن الوطن وطلباً للحرية حتى  لكأنما كانت القبائل تتسابق لتقديم الشهيد تلو الشهيد ، كيف لا والشهيد يشفع لسبعين من أفراد أسرته ، كنا ننقل جثامين شهداءنا فنجد إخوةً لنا من جميع القبائل يتقدمون موكبنا ويحيطون بنا، كنا نعود جرحانا فنجد إخوةً لنا من قبائل أخرى يُضمِّدون جراحهم ، كنا نستقبل أسرانا المحرَّرين فنجد إخوةً لنا من قبائل أخرى يحملونهم على الأكتاف هاتفين باسم الوطن ، كنا ، ولا زلنا وسنظل ، نُتبع بإسمنا الثلاثي اسم قبيلتنا بل إن بعضنا - ربما من باب الإعتزاز بانتمائه القبلي – يجعل من اسم قبيلته اسمه الثاني ، لازلنا كما كُنّا في سائر أيامنا الجميلة السابقة أمةً واحدةً نُجسِّد غاية الله عندما جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف ونتعاون على البر والتقوى ، لازلنا كما كُنّا أمرنا شورى بيننا ، ولا زلنا كما كُنّا دائماً نشد أزر بعضنا البعض ونتقاسم العيش معاً ، وكانت القبيلة ولا تزال وعاءً اجتماعياً يضم مجموعةً من الناس تجمعهم رابطة الدم أو رابطة المؤاخاة همُّها تحقيق التآلف الإجتماعي وإجراء الصلح بين العباد... فلماذا إذن نُصر من دون مبرر على أن نفهم أن شعار "لا للقبلية" يعني "لا للقبيلة" ؟ ومن بابٍ آخر لماذا نتمسك بشعار "لا للقبلية" ؟ هل ظهرت صراحة أو مواربة أية مؤشراتٌ أو دلائل تُنبيء عن بوادر ترعرعِ نزعةِ تسلطٍ قبلي من قبيلةٍ على غيرها من القبائل؟.
   لست أطلب في هذه المرحلة الإنتقالية الإفصاح عن الأسماء الرباعية لشاغلي المراكز السياسية والإدارية مخافة أن يُسفر ذلك عن إغفالِ التوازن في توزيع الحقائب بأنواعها على مختلف الأطياف الإجتماعية لكنني لا أرى ما يمنع من أن نُفصح عن أسماء شهداء هذه المدينة – كلاً منسوباً لقبيلته - في جميع العهود ربما بدءاً من سنة 1911 فذلك يُعزّز في رأيي حقيقةَ أننا كلنا أبناءٌ لوطنٍ واحد قد لا نتساوى في أداء الواجب لكننا جميعاً متساوون في الحقوق .
دعونا نقول لا للتعصب القبلي -  رغم أنه لا مؤشرات على وجوده المؤثر – وفي ذات الوقت دعونا نقول نعم للقبيلة كما أرادها الخالق الباريء عز وجل .
    إن القبيلة ، كنتيجةٍ لغياب مؤسسات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية الناضجة ، تجد نفسها مضطرةٌ الآن للعبِ دورٍ جديد قد يكون الدور الرئيس لها لفترة من الوقت إلى أن تستكمل الدولة مؤسساتها وهياكلها السياسية والقانونية والإدارية والمالية فهي المظلة التي يُمكن أن نلتقي تحتها لُننَاِقش مصيرنا ومستقبل أبنائنا ، ومن خلال ملتقيات قياداتنا مع قيادات القبائل الأخرى يمكننا أن نتبادل الرأي حول مستقبل ومصير الوطن .
إن دور القبيلة الآن مُهمٌ للمساهمة في تقرير مستقبل ومصير الوطن ، ولكن لكي تتمكن القبيلة من التصدي بجدارة لهذا الدور الجديد لا بد لها من أن تعيد النظر في تركيبة قيادتها ، نعلم أن الإخلاص والحرص لم يكن ينقص قياداتنا القبلية الحالية لكن العلم والمعرفة والتخصص هو محور إهتمامنا ، ولذلك فإننا يجب أن نعمل جاهدين على الدفع بأبنائنا المثقفين لأن يضطلعوا بدورهم المأمول في قيادة القبيلة مباشرةً أو من خلال المشاركة الفعالة بتقديم الرأي والمشورة.


أ. محمد بشير البرغثي

السبت، يوليو 23

حصريا : متابعات صحفية.. القذافي يجب اسقاطه


اول سفير لمصر في ليبيا بعد انقلاب القذافي سنة 69 يتحدث لصحيفة الاهرام بتاريخ 22/7/2011

صلاح السعدني : القذافي يجب اسقاطه

بعد ثلاث ساعات من نجاح انقلاب ‏1969‏ في ليبيا كانت مصر أول دولة يتوجه إليها الليبيون  بطلب الدعم ليسافر إليها في اليوم الثالث بتوجيه عبدالناصر وفد من فتحي الديب وأحمد رشدي وزير الداخلية فيما بعد ـ ومحمد حسنين هيكل والمقدم صلاح السعدني مدير مكتب وزير التربية آنذاك.
, الذي ترقي الي رتبة لواء فيما بعد, ليبقي الأخير في ليبيا من يوم3 سبتمبر عام1969 الي نهاية عام1976 مسئولا عن العلاقات وملحقا عسكريا ثم سفيرا ليكون أهم حلقات الاتصال بين البلدين, ويلعب دورا مهما في تاريخهما المشترك, يتابع صلاح السعدني الآن ثورة17 فبراير التي جاءت علي عكس المتوقع من الشعب الليبي, لكنه يري أنها ستنجح وسيطوي التاريخ الليبي صفحة هذا الحاكم الذي وصفه في تقرير له الي عبدالناصر بعد6 أشهر من ثورته بـ د. جيكل ومستر هايد, مؤكدا اهتزازه النفسي الذي وصفه عبدالناصر والسادات بـالجنون, مطالبا مصر ومجلسها العسكري بدور مهم لدعم هذه الثورة, خصوصا أنه يجمع خيرة العقول العسكرية كما يتمتع المشير حسين طنطاوي بالهدوء والقدرة علي استبصار الحقائق والانتصار للحق ـ كما حدث في ثورة25 يناير, ذلك قبل أن تلتهم الدول الغربية ليبيا أو تقسمها الي دولتين تستثني منهما منطقة هلال النفط لتدويلها واستنزافها, ويري السفير صلاح السعدني أن ادعاء البعض بتعرض المصريين في طرابلس وسرت لأذي القذافي بعد تدخل مصر هو حجة واهية وعلي غير الحقيقة لأنه يعلم أن فتح مصر لحدودهاة كان أكبر عوامل نجاح ثورة17 فبراير ضده.
في هذا الحوار عدت مع السعدني بالذاكرة الي مرحلة عمله سفيرا لمصر في ليبيا بعد انقلاب سبتمير.
سألته: لماذا تم اختيارك تحديدا عن وزارة الحربية للسفر الي ليبيا يوم الثورة وهل كانت مصر تعلم مسبقا بهذه الحركة فقال: كنت مديرا لمكتب الفريق فوزي وهو الذي اقترح اسمي لأننا لم نكن نعرف من هم الثوار, فقد كانت الأجهزة المصرية تتوقع أن يكون الانقلاب إما بمعرفة الأمير رضا ولي العهد أو عبدالعزيز الشلحي رئيس أركان حرب الجيش ولذلك عندما نزلنا من الطائرة واستفسرنا عن ( الشلحي) فرد عليه باقتضاب في السجن ولكننا فوجئنا بالقذافي ومجموعته من الوحدويين الأحرار.
> ومتي كان أول لقاء للوفد المصري مع القذافي؟ وما هو انطباعك الشخصي عنه؟
< كان لقاؤنا الأول معه ظهر يوم4 سبتمبر1969 وفيه بدا غامضا ولكني بمرور الوقت اكتشفت جوانب متناقضة من شخصيته وأهمها عدم الاتزان والخلل النفسي, وهو ما سجلته في تقارير الي جمال عبدالناصر ووصفته بـد. جيكل ومستر هايد.
وتحدث السفير صلاح السعدني عن عدد من المواقف التي كان شاهدا عليها وتؤكد تحليله, ومنها زواج القذافي من فتحية نوري وكان قد وضع والدها العميد نوري قائد القوة المتحركة في العهد الملكي في السجن وقلد شقيقها النقيب خيري نوري رئاسة الحرس الجمهوري وهو ما جعلني أفكر كيف يتزوج بامرأة فعل النقيضين مع والدها وأخيها؟ وبعد شهور ـ كانت قد حملت منه ـ فأسر لي بأنه سيطلقها لأنه عاجز عن معاشرتها ـ كما قال لي هو شخصيا ـ فاصطحبته الي مصر ليكشف عليه الدكتور عبدالحليم العقبي الذي شخص عجزه بأنه نتيجة سوء حالته النفسية وكتب له عددا من الأدوية المهدئة, كما كان له تصرفات حادة ومتهورة ووصلت حالته الي اعتقاده بأنه رسول الصحراء ـ كما كان يصف نفسه وأن الوحي يأتيه في جبال الغريان عند اعتكافه.
> كيف ذلك؟
سألت عن زملائه في أحد الأيام فقال لي مصطفي الحزوبي أنه يكثر من الاعتكاف في جبل غريان, فسألته ماذا؟ فقال: مستني الوحي ينزل له!!
> هل كان يعلن ذلك؟
ـ كان يوحي به لزملائه ويدفعهم للقول به
> وهل كانوا يصدقونه؟!
ـ كانوا يسخرون منه
> أمامه؟
ـ بالطبع لا.. لأنهم أجبن من ذلك لدرجة أنه صار يتحكم فيهم بشكل غريب فمثلا كان عندما يغضب من أحدهم يحرمه من مرتبه فانشأوا بينهم حصالة يضع فيها كل واحد منهم50 دينارا شهريا حتي يعوضوا ما يخصمه من المرتب, وكان يأمر المغضوب عليه بأن يحبس نفسه في غرفة بمجلس القيادة خصصها لذلك, والعضو الذي يأمره لابد أن ينفذ أمره ولا يخرج منها ـ رغم عدم وجود حرس ـ إلا متوجها للحمام فقط وكان يشبههم بالأطفال ويسبهم سبا لاذعا واعتقد أن هذه المرحلة كانت بداية جنونه.
> وهل ما اشيع عن حكاية أصول القذافي اليهودية حقيقة؟
< نعم هذا ما سمعته من عبدالمنعم الهوني وملخص الحكاية أن رجلا طليانيا كان يعمل في طاحونة في بنغازي وكانت زوجته يهودية ومع الحرب العالمية الثانية وما فعله هتلر باليهود في ألمانيا ربي في نفس الزوجة الرعب بعد دخول القوات الألمانية إلي ليبيا خوفا من التنكيل باليهود فهربت ضمن الهاربين, وقد تركت طفلها الوليد عام1942 لهذا الزوج الذي كان يعرف محمد عبدالسلام أبومينا الذي كان يجئ من سرت لطحن الغلال عنده. فسأله إن كان لديه ولد فقال عندي ثلاث بنات. فطلب منه أخذ الوليد فأخذه واسماه معمر. وتعهده وتبناه وأصغر بنات أبومينا تكبر معمر بـ14 عاما, هذا الكلام كان يتناقل بين أعضاء مجلس القيادة مع معمر في حدود ضيقة جدا وقد كشفه عمر المحيشي بعد هروبه من معمر ولجوئه إلي مصر في الإذاعة المصرية عام..1975 أما ما أكد لي ذلك بوضوح فهو الخطاب الذي أرسله كاردينال من الفاتيكان إلي معمر القذافي عام1973 عبر الخارجية الليبية, وكنت موجودا بمكتبه ومعي عمر المحيشي عندما تسلم أحمد المقصبي سكرتير معمر الخاص وقتها الخطاب الذي ما إن فتحه حتي علت وجهه الدهشة والتعجب وهو يقرؤه علينا بصوت خفيض ويلوم الكاردينال فيه القذافي ويطالبه بتخفيف عنفه عن اليهود وهجومه عليهم( مع أن أمك يهودية!!) حسب نص الخطاب, ولذلك فأنا أميل لتصديق هذه المعلومات.
> ولماذا أخلصت مصر في دعمه وإجابة كل طلباته؟
< عندما أرسلنا عبدالناصر كان التلقين من السيد سامي شرف باجابة كل طلبات الثورة الليبية ودعمها وهو ما استمر بعد ذلك في توجيه وأوامر جمال عبدالناصر لي أو للمرحوم فتحي الديب ومنها بالنص حذار من قيام ثورة مضادة أو انقلاب يخالف فكر العقيد... ولذلك حميناه من عدة انقلابات ضده, ووضعنا خطة لتأمينه ببناء قصر له علي مساحة كبيرة يخرج منه نفق يتسع لهروبه بسيارة لمسافة5 كليومترات حتي مكان توجد به طائرة تكون جاهزة للهروب. وذلك بتوجيهات من جمال عبدالناصر.
ومن أخري عند زيارة عبدالناصر إلي ليبيا بعد عودته من مؤتمر القمة بالرباط وافق عبدالناصر علي كل ما طلبه القذافي ورفاقه في مجلس الثورة من طلبات عسكرية كثيرة ودعم. وعندما سألت الفريق فوزي مستغربا من هذه الاجابة السريعة قال: عبدالناصر مسافر إلي موسكو بعد أسبوع وشايل علي إيده الثورة الليبية طبق من ذهب!!
> وهل كان لدي القذافي خطة للحكم أو لبناء الجيش؟
< لا.. سوي ما يلقن من مصر. وعندما أمرنا عبدالناصر بإنشاء جيش ليبي سألت العقيد عن العقيدة السياسية للجيش فلم يفهم لأنه لم يكن يعرف أهداف الجيش أو لماذا ينشأ وسألني: ايه العقيدة السياسية؟.. فشرحت له وبرغم ذلك لم يحدد لي شيئا وترك لنا الأمر.
> وهل كانت علاقته بالسادات جيدة؟
< أبدا لأنه كان يتخيل نفسه أحق برئاسة مصر في إطار وحدوي من السادات وكثيرا ما كان يقول في خطبه أن ليبيا زعيم بلا شعب ومصر شعب بلا زعيم وكان السادات يدرك ضعف بنيانه الذهني.
> وهل لذلك تعامل معه السادات باستهانة؟!
< نعم لدرجة أنه كان يرفض مقابلته أحيانا, فمثلا يوم29 أغسطس1973 حضر القذافي إلي مصر بدون معرفة مسبقة من سلطات ليبيا أو مصر, واستقل من المطار ميكروباس شركة مصر للطيران إلي فندق النيل وذهب إليه بعض المسئولين لنقله من الفندق إلي قصر القبة فرفض أن يتحرك إلا لمقابلة السادت, وعندما عاد السادات أخبروه بوصول القذافي في المطار فقال: عاوز إية؟ فقالوا له: عاوز يشوف سيارتك فرد السادات: مش عاوز أشوفه. وسافر السادات من المطار إلي ميت أبوالكوم تهربا من اللقاء لكن القذافي أصر وذهب إليه في ميت أبوالكوم حتي يتخلص منه السادات وافق علي توقيع اتفاقية الوحدة حتي بدون أن يقرأ أي بند فيها, وكان يجهز وقتها للحرب فاتفق معه علي عرضها للاستفتاء يوم30 أكتوبر.1973
وأيضا هذه الاستهانة سببت كثيرا من التوتر بعد ذلك بين البلدين حتي حدث صدام مسلح لكن لماذا تهرب السادات من الوحدة؟
اولا: لأن القذافي كان يطمع في أن يكون رئيسا لمصر من خلال هذه الاتفاقية وكان يطمع أن يكون قائدا عربيا كبيرا. والسبب الأهم هو رفض الأمريكان لهذه الوحدة.
> لماذا؟
< لأنها ستوجد دولة عظمي في المنطقة بتكامل الثروة البشرية في مصر بخبراتها الفنية والثقافية والعلمية وليبيا بثروتها المادية وأرضها البكر خصوصا أنه كانت هناك أحلام لضم السودان إلي دولة الوحدة مما كان سيشكل خطرا علي أمريكا وأطماعها في المنطقة فها هي اليوم تفتتها لذلك لم تكن تقبل أن تنشأ دولة كبري في المنطقة.
> هذا ينقلنا إلي الوضع الراهن فهل وتري معي أن تباطؤ التحالف و ألاعيب الدول الكبري ما بين حجة حماية المدنيين وطول زمن الحرب وعدم مساعدة الثوار هدفه هو السيطرة علي هلال النفط ضمن مخطط تقسيم ليبيا؟
< هذا الكلام صحيح بدليل أن الثوار تراجعوا أكثر من مرة من رأس لانوف والبريقة بعد السيطرة عليها والناتو بتباطؤه في ضرب قوات القذافي كان يعطيها فرصة للتحرك, وكل تحركات أمريكا ودول أوروبا العسكرية وحتي الإعلامية محسوبة جيدا ومخططة لأن لهم اطماعا في الصحراء الليبية والنفط الليبي.
> كيف ؟
< أولا: مصانع تكرير البترول في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا مصممة حسب النفط الليبي ودرجة كثافته. ولا تصلح للعمل في تكرير بترول بكثافة مختلفة.
ثانيا: ألمانيا أصدرت قرارا بوقف تشغيل بعض المحطات النووية لديها مع نهاية العام الحالي التي تمثل20% من إنتاج الطاقة لديها والمحطات المتبقية سيتوقف العمل بها بنهاية عام2020 وهو ما يعني ضرورة الاعتماد علي بديل آخر للطاقة والاقرب إليهم والاجدي اقتصاديا استخراجها من رياح الصحراء في ليبيا مما دعاها إلي ايفاد مندوب مقيم إلي بنغازي فضلا عن استفادات أخري كثيرة والدول الاخري ايضا لها مطالب وتريد أن تحصل علي أنصبتها من الغنائم وعندما يصلون إلي حل فيما بينهم أو اتفاق سيبدأون في التعجيل بانهاء الأزمة الليبية والتخلص من القذافي وهو قرار لا رجعة فيه لكنه سينفذ عندما يتفقون فيما بينهم وقد يصل بهم هذا الاتفاق إلي تنفيذ سيناريو التقسيم الذي يبدو من خلال عدم مساعدة الثوار في السيطرة علي هلال النفط, وكذلك قبول قوات القذافي في النهاية بسيطرة الثوار علي دولة في الشرق والقذافي أو أحد صنائعه في دولة في الغرب وبقاء هلال النفط بامتداده إلي الجنوب بما فيها حقول النفط تحت الاشراف الدولي وتدويلها إلي أن يتفقوا عليها وهو ما لا يعلمه إلا الله.وقد تحدث أحد الوزراء الانجليز قبل أيام عن تسوية وحل سلمي وحدود بين الطرفين المتحاربين في ليبيا ووضع قوات دولية ولتكن بملابس دولية وشدد علي ضرورة الحفاظ علي المتبقي من قوات القذافي, وهو ما يعني أن خطة التقسيم تسير بخطي ثابته الهدف الرئيسي منها تدويل منطقة هلال النفط ويؤكد ذلك بطء حركة الثوار والكتائب وشبه التوقف في الموقف العسكري, وكذلك ما يثار حاليا حول التسوية الودية.
> وأين مصر من كل ذلك؟
< مازلنا في موقف المتفرج, ولابد لمصر من التدخل الفوري وبأي شكل لدعم الثوار في إحكام سيطرتهم علي البلاد كلها موحدة وتخليصها من القذافي.
> لكن ذلك قد يؤدي إلي أذي للمصريين العاملين في طرابلس وسرت والمناطق التي يسيطر عليها القذافي؟
< رد بانفعال ليه؟ هو أحنا بط عشان يدبحهم؟! وهو لا يستطيع فعل ذلك لأن هناك اعتبارات أخري كثيرة وهو أكثر ما يوفر مبررا للتدخل العسكري المصري لتوفير الحماية للمصريين هناك بصورة واضحة أنا مع مساعدة الثوار والحفاظ علي نصيب لمصر من الكعكة الليبية ويجب ألا نخشي أحدا أو نخاف أن يفهم أحد ذلك لأن كل الاطراف تلعب وتعمل لمصلحتها الاقتصادية دون مواربة أو إخفاء. فمثلا لماذا لا يكون تعمير المناطق المدمرة وإعادة البناء في ليبيا للشركات المصرية فقط. ونحن أولي بها من الشركات التركية التي تدعم بلدها القذافي علي الأقل في علي الأقل في مراحل الثورة الأولي.
< لكن هل الأوضاع في مصر الآن تسمح بذلك؟
> الجيش المصري جيش عظيم وقواده متوازنون نفسيا وعميقو التفكير وعلي رأسه رجل جدير بالإدارة الجيدة, وقادر علي فرز المواقف والتوجيه. كما أن امكانات القوات المسلحة تستطيع تنظيم هذه المسألة فضلا عن أن ذلك هو حماية للمنطقة الغربية نفسها

الجمعة، يوليو 22

ابداعات عن مبدع

طرنيش.... النبيل
                                                               عزة كامل المقهور


عزة كامل المقهور كان آخر لقاء بمكتبي.... في أوائل شهر فبراير من هذا العام...مع الأستاذ محمد العلاقي المحامي، والصحفي نعيم العشيبي. كان آخر من حضر... بوجهه  الصافي، و إبتسامته المطبوعة على وجهه التي تسبقه، ودماثة خلقه الباديه في حركات يديه. انصب الحديث في ذلك اليوم على توقعات يوم 17 فبراير، ولم يدر في خلد أي منا أن الأحداث ستسبق كل التوقعات وستكون يوم 15 فبراير. خرجنا معا، واوصلتهم حتى الباب الخارجي ونحن نتحدث ونضحك، صافحتهم ... وانفرط العقد منذ ذلك اليوم.

طرنيش...ربع القامة، مليء، ترتسم على صفحة وجهه علامات الارتياح والطيبة... دائم الابتسام... إلا أن اهم مايميزه سخريته.. تلك السخرية الليبية الصميمة. كان سريع البديهة...تفلت منه بين الحين والآخر جمله الساخرة ثم يقهقه ويهتز كل بدنه...تكشف شفتاه عن اسنان لبنية صغيرة... عيناه عسليتان حد الإصفرار، شعره خفيف يشوبه بياض وقور.

كتب المقالات الساخرة المليئة بتفاصيل هموم المواطن الليبي، وسخر من كل شيء حتى من نفسه.. أتذكر مقالة له نشرت في صحيفة "الشط" التي رأس تحريرها لفترة وأستطاع بحنكته الصحفية وجديته أن يستقطب أفضل الأقلام اليها - رغم محليتها- وأن يجعل القراء يتهافتون عليها رغم الظروف الشاقة لهذه المهنة.... كتب في مقاله ذلك عن دراجته "البيانكي" التي كان يسندها على حائط أحد ازقة المدينة القديمة ويتفاخر بها أمام الطرابلسيات المختالات أمامه....وكيف كان جزاؤه من والده بعد أن انكسرت!

وكتب عن الشفافية في ليبيا تحت عنوان يقول " زغردي يا ليبية"...
أشتهر بقفشاته السريعة والذكية.. أتذكر في نهاية العام الماضي حين طرح صحبة العلاقي التقرير السنوي لجمعية حقوق الإنسان في مؤتمر صحفي، انتقد احدهم التقرير وقال أنه لا يصدر بشكل دوري"، فرد عليه طرنيش... قد لا يكون دوريا، لكنه على الأقل ليس وردياً، فضجت القاعة بالضحك.

يلتهم القراء مقالاته ويطاردونها كما يطارده المسؤولون من صحيفة إلى أخرى.. حتى أوصلوه إلى عتبة السجن بتهمة التشهير واوقفو قلمه عن الكتابة... وظل مبتسما... وعاود الكتابة...  سخر من كبار القوم... لم يحتملوه، وهو الطيب الوقور، الصديق الصدوق... دسوا له السم في العسل....لكنه شرب العسل ولم يمته السم أو يوجعه.

يذكرني "طرنيش" بعمالقة الصحافة المصرية.... مخزنا للأسرار، عارفا بما يدور حوله... ما أن يفتح خزانته حتى تتدافع الحكايات وتتزاحم الوقائع لتصبح مسرحيات وروايات... وحين يقرر التوقف يقفل خزانته ويضب مفتاحها في جيبه ويرحل. كان يجلب القراء للصحف وليس العكس.

يزورني... ببساطته المعهوده... في يده نقاله الذي لايتوقف عن الرنين، يستمع للموجوع والمظلوم والمنتهكة حقوقه.... للمنتقد برحابة صدر، ولأصحاب المطالب التي لا تنتهي....اتصالات من داخل الوطن وخارجه، لا يمل ولا يكل... أقول له " ما بعدك... يا أستاذ محمد" فيرد بتواضع جم " الله غالب.... أهو نحاولوا".

عمله التطوعي في جمعية حقوق الإنسان شكل علامة فارقة... يعمل بصمت ولا ينسب لنفسه أية نتائج.  لا يمكن لأحد أن ينكر أو يجحد ما قدمه "طرنيش" للسجناء السياسيين والمعتقلين... خاض في مستنقع أبي سليم وغيره من مستنقعات انتهاكات حقوق الإنسان، حكى لي أنه حين طالب برفع قيمة التعويضات، قال له أحد ضباط الأمن الحاضرين في احدى الإجتماعات "أنت تطالب برفع القيمة لأنك سجين سابق"، فرد عليه محمد طرنيش " أنا لن اتقاضى منكم درهما واحد.. سنوات عمري في سجونكم لن تعوضها أموالكم..."

استمات لأشهر في مفاوضات للسماح للمعتقلين بزيارة اهاليهم وقال لي انه عانى الكثير من منع الزيارات حينما كان سجيناً للرأي لمدة ست سنوات... وأنه يشعر بألم السجناء من عدم تواصلهم مع أهاليهم.

يؤمن بالمجتمع المدني ودوره في مواجهة هيمنة السلطة ونزقها، وأتذكر جيدا ما قدمه للجنة تأسيس "جمعية العدالة لحقوق الإنسان" التي وأدتها السلطة سريعا، من عون حين طلبت منه المساعدة في إيجاد مكان ملائم لعقد أول أجتماع تأسيسي لها ولما واجهناه من تردد في منحنا مقرا لإنعقاد الإجتماع حيث وفر لنا صالة مبنى مدرسة الفنون والصنائع التي كان على علاقة وطيدة بها.

كتب عن المدينة القديمة وعن الشخصية الطرابلسية التي كان يجسدها في كلامه وحركاته وحتى مشيته.....طرابلسي حتى النخاع، بلهجته، وكلماته، وامثاله الشعبية... ومنفتح على الجميع.

رحلت يا أستاذ محمد ومعك مفاتيح خزانتك.... دون أن تفرغها جملة جملة في الجريدة التي طالما حلمت بإصدارها، يتصدرها اسمك... تنبش عن الحقائق وتسطرها دون أن يتعقب أثرك أحد.... تكتب في زاويتك "جنان النوار" عن صرخة المواطن وألمه بسخرية لاذعة.... رحلت قبل أن نلتقي مجددا مع العلاقي وجربوع والككلي والبشتي ونزار ونعيم وغيرهم... نحكي بل حتى نهذي في الهواء الطلق...

رحلت باكرا، قبل أوانك.... كيف ستكون الملتقيات بدونك، كيف سيكون صالون نزار كعوان الأدبي دون أن ترج اركانه بمداخلاتك الجريئة والقيمة، وتلطف اجوائه بتعليقاتك الساخرة.

سنفتقدك.... أسماء وحواء وسالمه وأم العز وفاطمه وخديجة و.... سيفتقدك الرجال... سيفتقدون أخا نبيلا وخلوقا... ستفتقدك المدينة القديمة وسوق الجمعة... أهل طرابلس ... ستفتقدك كل ليبيا وهي تنزع شوكها... شوكة شوكة... حتى تزدهر من جديد... فلن تراها في حلة جديدة طالما رسمتها في كلماتك وتخيلتها على جسدها الذي كاد ان يشيخ... وتمنيت أن تموت فيها وتكفن بأوراق جريدتك المنقوش عليها اسمك، المطبوع عليها مقالاتك التي تحكي حكايات البسطاء، وآلام المظلومين، وأفاعيل الكبار....

إن القلب ليحزن.... وأن العين لتدمع... وإنا لفراقك يا أستاذ محمد لمحزونون.

عزة كامل المقهور
20. 7. 2011

الخميس، يوليو 21

قريبــــــــــا

ترقبوا  حصريـــــــــا :
ذاكــرة الأيــام
بقلم : أ . ابراهيم السنوسي امنينة      

    ((الحلقة الثالثة))

السيرةالعطرة ( حسين الاحلافي )

 
  سيرة الشاعر
  ( جهاد وغربة وابداع )

ولد الشاعر حسين محمد أحمد الحلافي عام 1905 في قرية" المخيلي" على الأطراف الشمالية للصحراء فوق هضبة الجبل الأخضر وتلقى فيها مبادئ تعليمه . *
درس وحفظ القرآن الكريم في الجغبوب ثم رحل منها عام 1925 حين امتد إليها سرطان الاحتلال الإيطالي حيث التحق بالأزهر الشريف. *
في عام 1940 قطع دراسته في مراحلها الأخيرة ليلتحق بجيش التحرير
حيث كان من ضمن من تم حصارهم في طبرق . *

عمل عضوا بجمعية عمر المختار حيث أسندت إليه رآسة القسم الثقافي في فرعها في درنه سنة 1943 كما كان عضوا في الجمعية البرقاوية المعروفة ولم ينقطع عن الكتابة في الصحف والمجلات ونشر قصائده . *
كان من الرعيل الأول من المعلمين حيث قام بالتدريس في مدرسة النصر بدرنة من سنة 1943 الى1947 *
أسس أول مدرسة في منطقة الابرق بالجبل الأخضر عام 1948. *
عين قاضيا في طبرق عام 1948 ثم نقل قاضيا بمدينة اجدابيا عام 1954 . *
عين سنة 1956 وكيلا للمعهد الديني بالبيضاء والذي اسهم في تأسيسه ثم شيخا للقسم العالي الذي اصبح فيما بعد "الجامعة الإسلامية" *
استقال من الوظيفة عام 1960 وانتقل إلى مدينة درنه حيث كان خطيبا وإماما بالمسجد العتيق بدرنة. *
عاد إلى البيضاء عام 1965 لتولي إدارة المساجد بالجامعة الإسلامية والتي بقي فيها حتى سنة 1969 . *
انتقل إلى رحمة الله يوم 20 رجب1394 هـ الموافق 8-8-1974 ودفن بمدينة البيضاء . *
منح وسام التحريــر من الدرجة الأولي *
منح وسام الاستقلال من الدرجة الأولى *
صدر له ديوان شعر باللغة العربية الفصحى تحت اسم : " ديوان شاعر الجبل الأخضر حسين الأحلافي " سنة 1990 تقديم د. إدريس فضيل – عميد كلية اللغة العربية بجامعة عمر المختار *
صدر له ديوان باللهجة العامية الليبية تحت اسم : " ديوان حسين محمد الحلافي " سنة 2004 تحقيق وشرح د. يونس عمر فنوش الأستاذ بكلية الآداب جامعة قاريونس ، والهمالي شعيب الحضيري الباحث في التراث الليبي . *
أعدت عنه دراسة لنيل درجة الماجستير إعداد على صالح العسبلي ، إشراف الدكتور محمد ادغيم- كلية الآداب جامعة قاريونس. *
أعدت عنه دراسة بعنوان " الشاعران حسين الاحلافي " للأستاذ محمد عبد الله المحجوب – رابطة الأدباء والكتاب بمدينة بنغازي. *
أقامت له رابطة الأدباء والكتاب مهرجان تكريم بقاعة الشعب بالبيضاء يومي 8، 9 أغسطس 2001 . *
نشرت عنه دراسات وبعض قصائده في : " مجلد قصائد الجهاد" مركز الجهاد الليبي – سالم الحنديري/ سالم الكبتي 1984 " مجلد الشعر الشعبي – الجزء الأول" كلية الآداب – جامعة قاريونس " الحياة الأدبية في ليبيا " د. طه الحاجري - مصر " الشعر والشعراء في ليبيا" محمد الصادق عفيفي - مصر *
له مخطوطات : " وقائع الجهاد ضد الغزو الإيطالي" " تراجم لبعض الأعلام من ليبيا" *
نشرت له مجموعة مقالات وقصائد في دوريات محلية وعربية في فترات مختلفة، وأذيعت بعض قصائده في
.
BBC الإذاعة الليبية وإذاعة لندن

الأربعاء، يوليو 20

حصريا : ذاكرة الايام - الحلقة الثانية


ذاكرة الأيــام (2)

                                                             بقلم: إبراهيم السنوسي امنينه

ذكرنا واستذكرنا في الحلقة السابقة ما سرده ملكنا السابق محمد إدريس السنوسي رحمه الله من أحداث وما وقع له من مؤامرات ودسائس حيكت له من أقرب الأقرباء حسداً من عند أنفسهم، ومن الطليان أيضاً حيث دس له السم وكاد يقضي على حياته، ولكن الله سلمه وأنجاه بحياته وقدرالله وما شاء فعل وكانت البلوى فقط حرمانه من نعمة الأنسال وآخر ما حدث له أن أنكره البعض من شعبه وقلب له ظهر المجن وتناسى كفاحه ونضاله وقيادته لجيشه من أشراف الليبيين من أجل انتزاع استقلال البلاد وتوحيدها من خلال أشرس ملحمة وأعز وأنبل هدف.
وتسعفني في هذا المجال أبيات قليلة استذكرتها لأمير الشعراء أحمد شوقي إذ كان قد قال:
أخا الدنيا أرى دنيـــــاك أفـعى

تبـــدل كل آونة إهـــابا
ومن عجب !!  تشيب عاشقيـــها

وتفنيهم وما برحت كعـــابا
فلم أرى غير حكم الله حكمـــــاً

ولم أرى غيـــر باب الله بابا
نعم؛ فلم يكن يعرف ذلك الراحل الغائب الحاضر إلا  العدل والزهد والخوف والرهبة من الخالق والرعاية الفائقة للرعية، وتروى حكايات عن جنوحه للعدل الذي لا يخاف فيه لومة لائم، ونستطرد في هذه الحلقة بنشر توجيه "ملكي" كان قد أرسله إلى والي ولاية فزان بتاريخ 14 نوفمبر 1961م الموافق 5 من جمادي الثانية 1381 هـ حيث يذكرني هذا الخلق في توجيه الولاة وتأديبهم وتخويفهم من غضب الله وتذكيرهم بدينهم وقرآن الله الكريم وسنّة نبيه وإنذارهم بسوء العاقبة والمصير مذكرهم أن هذا التوجيه والإنذار كان هو الثاني من نوعه لكنهم لم يرتدعوا – يذكّرنا كل هذا بإدارة الخلفاء الراشدين الأربعة والخليفة "الخامس" عمر بن عبدالعزيز  لشؤون البلاد في شتى أصقاعها حيث كان الخليفة منهم يراقب ولاته سواء البعيد منهم في السند أو بلاد فارس أو القريب منهم في مصر أو في الكوفة وحين يبلغه سوء سلوك من الوالي بتقاضي رشوة أو سوء معاملة تخلو من الرأفة بالرعية، ويتأكد له ذلك بما لا يدع مجالاً للشك فإنه يبعث له رسولاً بيده كتاب مختصر يقول:
عندما تقرأ كتابي هذا سلم لحامله ما في عهدتك من مال المسلمين وأمثل أمامي لمحاسبتك بدون تأخير.
هذا ما يذكرنا به التوجيه الذي يقول بالنص:
حضرة السيد المحترم والي فزان / سبها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
لما كنا نحرص دائماً على سلامة الأداة الحكومية – اتحادية وولائية – فكلما خلا أفرادها- رؤساء ومرؤوسين – من الشوائب. وسلكوا سلوكاً حسناً مستقيماً يرضي الله ورسوله كلما قطعت الدولة شوطاً بعيداً في التقدم، وكان ذلك من علامات رقيها وعنوان عظمتها. كما أنا نعتقد أن سلوك الرؤساء يعد مثالاً يحتذى به المرءوسون وأفراد الشعب الكريم.
على أننا لاحظنا في الآونة الأخيرة ظاهرتين تستوقفان النظر...
الأولى:  إقبال جمهرة كبيرة من الموظفين المسلمين في الدولة على تناول الخمر يغشون الحانات والمحال العامة لشربها جهاراً الأمر الذي تحرمه الشريعة السماوية – الدين الإسلامي الحنيف- كما تمنعه القوانين الوضعية في البلاد.
وجاء في القرآن الكريم من آيات الله البينات.." يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتتنبوه لعلكم تفلحون".
كما ورد في الأحاديث الشريفة.. " من الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل شراب أسكر فهو حرام" وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مسكر حرام أن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار" وعن وائل الحضرمي عن طارق بن سويد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه فقال إني اصنعها للدواء فقال ليس بدواء ولكنه داء" .
ثانياً: وهي ظاهرة لا تقل خطراً عن الأولى " تفشي الرشوة بين صفوف الموظفين حتى عمت الكثير منهم كبيرهم وصغيرة – ولا يخشون وازعاً من دين أو ترهبهم نصوص ما وضع من القوانين مما يزعزع الثقة في الجهاز الحكومي.
فإلى إولئك وهؤلاء وجهنا منذ بضعة شهور رسالة لتحذيرهم من مغبة ما يفعلون وما هم فيه منغمسون – وكنا نأمل أن يكف الجاني يتوب العاصي ويتحول الطالح إلى صالح ولكن لم نلمس تقدماً ولا زال الداء يستشري فمن أجل هذا نأمر باتباع ما يأتي:ـ
1- يمنع منعاً باتاً تقديم أي مشروبات روحية في الولائم والحفلات الرسمية التي تقيمها الحكومة – كما يحرم على أي مسئول تناول أي منها فيما يدعي إليه من ولائم حفلات.
2-  تطبق بكل دقة التشريعات والنصوص الخاصة بالمسكرات والرشوة وتتخذ اشد الإجراءات للضرب على أيدي المرتشين وينبه على رجال البوليس باليقظة التامة في هذا الشأن وعدم التقاعس في أداء واجبهم.
هذا وستعتبرون و الوزراء مسئولين أمامنا- كل في دائرة اختصاصه عن المراقبة والتنفيذ بصورة مستمرة وفعالة.
وإنا نأمل أن تبذلوا كل جهد في هذا الشأن على أن يكون مفهوماً بأن كل مقصر أو مخالف سيؤخذ في غير لين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد إدريس المهدي
طرابلس 5 جمادي الثانية 1381 هـ
الموافق 14 نوفمبر 1961م
صورة طبق الأصل

 

سبق وأن روينا شيئاً عن قصة أغتيال ناظر خاصته الملكية إبراهيم الشلحي عندما حكمت المحكمة بإعدام القاتل الذي كان يدعي أحمد الشريف محي الدين أحمد الشريف السنوسي وهو حفيد ابن عمه وابن أخ زوجته فاطمة رحمها الله.
إذ قام بالتصديق على حكم الإعدام – إن لم يكن قد أمر القاضي بضرورة إصدار الحكم بالموت – ذلك خشية أن يبحث القاضي عن ثغرة أو مخرج في القانون لإنقاذ الجاني من القصاص – إرضاء منهم للملك حالة كون الجاني ينتمي إلى العائلة السنوسية وابن أخ الملكة.

وفي هذا السياق لا زلت أذكر كيف أمر الملك رحمه الله بإبعاد محامي  يدعي " فهيم الخير"، وكان قد حاول في دفوعه تبرئة الجاني بالركون إلى ثغرة في إجراءات الإحالة إلى النيابة، وكاد ينجح في ذلك، غير أن الملك تدارك الأمر وتدخل وأمر بإبعاد ذلك المحامي ، وأمر المحكمة المختصة بعقد جلسة عاجلة وتداول الدعوى بحضور محامي آخر فوراً وصدر الحكم وتم تنفيذه في موعده بدون تأخير وقد كان.
ومن المضحك ومن دواعي السخرية أن هذا المحامي  كان قد عاد إلى ليبيا حينما أصبحت "جمهورية" بعد انقلاب سبتمبر 1969، "وبعد أن هزلت حتى بدت منها كلاها وسامها كل مفلس"، وكرّمه " الفتية " وفتحوا له مكتباً وسهلوا له إجراءات الرخصة لكي يزاول مهنة المحاماة، غير أنه لم يطل به المقام في "الجمهورية الجديدة" وعبر عن رغبته في مغادرة البلاد، فسأله بعض رفاق المهنة عن السبب في مغادرته فقال:
" البلد ما فيها إلا محاماة شعبية ما توكل عيش". وغادر بنغازي.......
وكان ذلك التصديق على حكم الإعدام بحق أحد أقربائه أول وآخر تصديق على حكم إعدام، وحيث اعترف الجاني بجرمه، والاعتراف سيد الأدلة، ومن قتل يقتل، ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب.
وبعد سنوات قليلة رفض التصديق على حكم بإعدام اثنين من مواطنيه كانوا قد فجروا خزانات للنفط في ليبيا بتحريض من تيار مجاور و مراهق يطلب التوسع والشهرة الرخيصة، وأمر بتخفيض الحكم إلى السجن المؤبد ثم لم يلبث أن أصدر مرسوماً ملكياً بالعفو عنهما بعد ذلك بزمن قصير بمناسبة حلول عيد الاستقلال.
ومن سخرية القدر ومن مهازل وقائع التاريخ أنه عند انقلاب سبتمبر 1969، انضم أحد الاثنين المفرج عنهما بعد أن كرمته عصابة الإنقلاب وألبسوه " بدلة شغل – يعني عفريته" وربما منحوه رتبة فخرية، وسيارة " جيب – شامب" وأجروا له معاشاً شهرياً، واسندوا إليه بعض مهمات صحرواية مشبوهة حالة كونه خبيراً في هذا الشأن الجغرافي، ولأنه كان يساعد المملكة " أيام كانت دولة " في تهريب الأسلحة، بعد شرائها، للجزائر المجاورة لنا في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي أيام النضال الشريف أيام كفاح جبهة التحرير الوطني الجزائري بقيادة وطنيين أفذاذ حقيقيين مخلصين أمثال بن بيلا وبومدين ومحمد خيضر           ومحمد بوضياف ولكن ليس أمثال عبدالعزيز بوتفليتة
 ذيل الجنرالات في الجزائر المرتشين من قبل المشعوذ عميل الموساد، نظير أن يستلم منهم السلاح الثقيل والآليات والراجمات وفوق كل هذا كله المرتزقة من الشعب الجزائري المغرر بهم.   
  أقول أنه من سخرية القدر فإن هذا المحكوم المفرج عنه (م.هـ.) بعد أن طغت شهرته وعمت الآفاق بطولته خشي الانقلابيون من سرقة "الثورة" منهم وكذلك الأضواء والكاريزما التي كانوا يتوهمون أنهم قد حققوها لأنفسهم. فإنهم قاموا باغتياله في ظروف غامضة بعد أقل من حوالي شهرين من استقطابه وانضمامه إليهم.
عود على بدء:
عندما صدر ذلك  المرسوم الملكي بمناسبة عيد الاستقلال يم 24 ديسمبر، كان ذلك عفواً عند مقدرة مثلما كان يوم صدور حكم بالإعدام على نفس الشخص حينما خففه إلى المؤبد قبل ذلك بسنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، وكان من سمات أخلاقه العدل والقصاص من الجاني ولو كان ذا قربى حين صدّق على الحكم بإعدام ابن أخ زوجته وحفيد ابن عمه قبل ذلك بعدة سنوات وبالتحديد في العام 1954م.
كان دائماً رحمه الله يتمثل قول أبي العلاء المعري في اللزوميات:
أيا دار الخسار ألا خلاص          فأذهب للجنوب أو الشمال
وظلم أن أحاول فيك ربحاً           ولم أخرج إليك برأسمـال
استذكرت ما جرى لهذا الولي الزاهد، وكيف فقد عرشه ومن استلبه منه ومن سرق منه رعيته في ليلة غبراء، وما حدث لهذه الرعية بعد ذلك من تعذيب وتغييب وتقتيل وتنكيل ونفي وتجهيل، نكتشف بعد أن عاد إلينا الوعي أن الذي فعل كل الأفاعيل والمكائد والجرائم التي يستحي منها شياطين الإنس والجن، ما كانوا إلا شرذمة من الأراذل التافهين العاقين الأفاقين الذين لا أصول لهم ولا عهد ولا دين ولا أخلاق ولا أعراق، وما كان لأحد في ليبيا التي أبتليت منذ العام 1551م باحتلال عثمان وقرمان إلى طليان وبريطان وأمريكان وقبل ذلك بعهود يونان ورومان أقول ما كان لأحد أن يصدق حدوث هذا الحادث الأليم ذي الوقع الجسيم لأن الذين قاموا به ما هم إلا شرذمة من صغار الأشرار من غير القادرين على القيام بأعباء هذا العمل من دون تخطيط وتمويل ومساندة من جهات أجنبية بيننا وبينهم عهود ومواثيق نقضوها وغدروا بالراعي والرعية في ليلة ظلماء افتقد فيها بدر السماء. واستحضرت أيضاً كيف خانه أحد المقربين إليه والذي ترعرع في كنفه والذي من أجله ومن أجل ذكرى والده الذي اغتاله أحد أفراد العائلة السنوسية من أبناء عمومته، بعد أن أعدم القاتل شرد باقي الأسرة السنوسية ونفاهم إلى جنوب البلاد، ذلك الخائن هو العقيد عبدالعزيز إبراهيم الشلحي، رئيس أركان الجيش الليبي
 عندئذ الذي كان يعلم بخطط المشعوذ للاستيلاء على البلاد ولم يعر لذلك أهمية لأنه هو الآخر كان قد وضع خططه لذلك وحدد لها موعداً هو 5/9/1969م غير أنه لم يعلم بالأمر الذي صدر من الغرب والموساد ومن مستشار النمسا برونو كرايسكي في ذلك الوقت، وهو عرّاب المشعوذ بأن يسرع هذا الأخير بالانقلاب قبل أن يقوم به عبدالعزيز الشلحي قبل ذلك بخمسة أيام أي يوم 1/9/1969م، وقد كان ما كان.
ويحضرني هنا قول الشاعر الليبي في زجله:
 ياما جرا وياما طرا وياما أيريد أيسير
مو أمغير خونتهم إقلال الخير 
 خوّان الدهر !! كنّك هبل؟
 مضروب عالدنيا من قديم الطبل
  اتصاحبلها إنخونك إتجي داغرة عليك إتغير  
كمين ناس عزوتهم فلوس، وكثرة ، وعقل
خلتهم الدنيا في شقا وتكدير
إن كان الدهر عاكسك طيعه
راهو أنفيت ما الله ينصرك
مالك عليه نصير
ويا ما جرا وياما طرا وياما أيريد ايسير
وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة ذاكرة الأيام حيث نتعرف على هذا "الشبح" الذي فعل بنا كل هذه الأفاعيل: من هو وكيف جاء ؟ ومن أتى به؟.

إبراهيم السنوسي امنينه